بعيداً عن المجاملة العاطفية وتعميقاً لمبدأ الشفافية التي كانت أحد دوافع اندلاع الثورة, وتكريساً لما يسمى بسياسة النقد البناء, علينا أن نقف اليوم عند نقطة هامة لمناقشتها والحديث عنها والتنويه إليها, لأن البعد عنها والتغاضي عنها بشكل غير مقصود أو متعمد, كان أحد الأسباب الكثيرة التي أدت إلى المراوحة بالمكان في أحسن الحالات وإلى الانتكاسات المحزنة في أسوئها.
سياسة جلد الذات, هي السياسة التي لم يقف عندها السوريون كي يتدارسوا نتائج الحراك الثوري على الأرض وبجميع وجوهه الناجحة والفاشلة, وكما ذكرنا سابقاً هناك من أراد لنا أن نبتعد عن تعميق مفهوم هذه السياسة الداخلية أساساً بشكل متعمد أو بشكل غير مسؤول, الأمر الذي انعكس سلباً على الثورة السورية وخصوصاً في الأشهر الأخيرة التي شهدت انتكاسات حقيقية بدأت بسير قوافل المهجرين من الريف الدمشقي باتجاه الشمال السوري وانتهاءً بتضييق الحصار على أحياء حلب الشرقية.
نقف اليوم أمام سؤال محوري ودقيق, هل قدمت الثورة السورية بعد خمس سنوات المشروع البديل الذي يطمح إليه السوريون بعد كل هذه التضحيات الجسيمة؟
ربما تبدو الإجابة عن هذا السؤال هي إجابة معقدة وكبيرة ولن تعطينا عشرات بل مئات الآراء التشخيص الصحيح له, لكن نستطيع أن نلعب ضمن فلك هذا السؤال بمجموعة من النقاط كي نقّرب شكل هذا السؤال إلى الأذهان لعلنا نقترب نوعاً ما من الإجابة.
خلال خمس سنوات حتى الآن لم ينجح أي جسم سياسي جامع للمعارضة السورية أن يملك زمام المبادرة ويفرض نفسه أمام المجتمع الدولي كممثل حقيقي للمعارضة السورية في الخارج, بل كانت الهوامش التي تشكلت فيها جميع الكيانات الجامعة للقوى السياسية المعارضة لحكم نظام البعث, غير فاعلة وغير مهمة وبدت في كثير من الأحيان أنها بعيدة كل البعد عن مطالب الثوار في الداخل.
أما فيما يتعلق بخلق بعض السلطات والإدارات التنفيذية كالحكومة المؤقتة مثلاً, فإن هذه الفكرة والخطوة بقيت حبراً على الورق, ولم يشاهد السوريون في الداخل أو المجتمع الدولي في الخارج أي نتائج ملموسة للمشاريع التي قدمتها هذه الحكومة, عكس حكومة النظام التي حافظت على قوة هيكلتها في أحلك الظروف, وهذه إحدى أهم النقاط السلبية التي أدت إلى تعميق حالة الفوضى التي تعيشها المناطق المحررة للأسف.
أي ثورة في العالم عليها أن تترجم أي تقدم لها على الأرض إلى شيء من الحكم أو الاقتراب من الحاكمية, وعندنا لم يكن هذا الأمر واضحاً بالشكل الحقيقي, بل تعددت تجارب الحاكمية على الأرض بالشكل الذي بدا في كثير من تفاصيله أنها جزر مقسومة حول بعضها البعض ما مهد لانتشار فوضى الحكم.
أما على الصعيد العسكري, فالحديث يطول كثيراً, ولكن الخلاصة التي يعلمها الجميع أن الفصائل العسكرية تعيش حالة انقسام كبيرة حتى ضمن النطاقات والمساحات الجغرافية الضيقة, وللأسف لم تجد جميع الفصائل العسكرية الثورية بعد خمس سنوات حلاً جذرياً ينهي هذه المأساة التي عمقتها نوايا الداعم الخارجي وسعت كثيراً إلى شراء الذمم والولاءات العسكرية.
خيط الضوء الوحيد الذي يخترق ظلام الأخطاء الكبير, هو الصمود الأسطوري للشعب السوري في الداخل الذي يواجه أعتا آلة عسكرية همجية في العقد الأخير, وهي الآلة العسكرية الروسية التي يسخرها النظام السوري وحلفاءه في طهران وموسكو لقتل وتركيع الشعب السوري.
لذلك نقول لكل الهيئات العسكرية والسياسية النافذة على الواجهة, ألا يستحق السوريون منكم وقفة صادقة لجلد ذواتكم, لإعادة بعث الأمل وإنعاش جسد الثورة الذي بات يصارع ويعاني من العديد من الأسقام؟
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود