تحمست عائشة وحملت حقيبتها و ابنتها و ذهبت، كان السمسار بانتظارها في مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، عندما رأى السمسار حقيبة الملابس قال : “هي الحقيبة ممنوع تدخل معك عطيني ياها وبكرا بوصلك ياها ” ، ترددت عائشة قليلاً “والله حاسسني قلبي أنو مارح يرجعا ، بس يالله المهم وصل بخير ومابدي شي ” ،كان وجه السمار قبيحاً و نظراته مريبة ، تصرفاته غير مريحة إطلاقاً ، شعرت عائشة بالخوف ولكن لم تظهره ، خافت على مشاعر طفلتها ، فعندما تراها خائفة بالتأكيد سوف تخاف.
عائشة شابة 27 عاما، أم لطفلة، تقطن في مدينة دمشق مع زوجها أحمد ويعيشان بسعادة.
زوجها نجار خشب، عمره ثلاثون عاماً، يعود لمنزله بعد انتهاء عمله ليرى زوجته و طفلته ينتظراه بفارغ الصبر، و تبدأ طقوس الغداء ممزوجة بتفاصيل جرت معهم في ذاك اليوم ، في أحدى الأيام تلقت عائشة خبراً كارثياً ، أن زوجها قد اعتقله حاجز لنظام الأسد ، وأن اسمه مطلوب للاحتياط ، أصبحت عائشة في حيرةٍ من أمرها “يالله ساعدني ياربي شو بدي أعمل تربطت إيدي ”
ما كان على عائشة إلا أن تأخذ طفلتها و تذهب لبيت أهل زوجها ، “دخيلك يا عمي ساعدني كيف بدنا نطالع أحمد قبل ما يفرزو ”
“هدي حالك يا بنتي ،أنا حكيت مع ضابط ووعدني رح يطالعو مقابل مبلغ 2000$ ”
بعد سويعات قليلة وصل أحمد للبيت، وأخبره الضابط “إذا رجعت انكمشت مرة تانية ما رح أقدر ساعدك ” ، بقي أحمد قرابة شهر في منزله مع زوجته و ابنته لا يستطيع الخروج لكي لا يلمحه أحد و يخبر عن مكانه”.
فكر أحمد و زوجته عن الحل ، قرر أحمد السفر إلى تركيا ، على أمل أن تلحق به زوجته و ابنته بعد ستة أشهر ريثما يؤمن عمل و منزل ، شعرت عائشة بغصة كبيرة، ولكن لا يوجد إلا هذا السبيل، رضيت بالواقع، سافر زوجها، لكنه أبى أن تبقى لوحدها في منزلهم ، بقيت عائشة في منزل أهل أحمد مع عمها وزوجته ،كانت والدة أحمد تطبطب على كتف عائشة، كانت إنسانة ذات أخلاق رفيعة، حافظة لكتاب الله ، كانت نعم السند لها ، ولكن زوجها (والد أحمد) يتدخل كثيراً في شوؤن عائشة “وين رحتي ، ليش اتأخرتي ، ما بيصير تطلعي لحالك إلا أنتي وحماتك “.
كان يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، مشجرات كلامية كثيرة تحصل بين عمها وعائشة يومياً، وليس بوسع عائشة إلا انتظار الفرج .
كان أحمد أنذاك يعمل ويجمع ثمن التكاليف الباهظة ليؤمن قدوم زوجته وابنته إلى تركيا.
وعائشة تعاني الويلات من عمها، تصيبها مشاعر يأس وخيبة.
تدعو الله بالفرج العاجل … بعد سنة أخبر أحمد زوجته بأنه قد جمع تكلفة سفرها وأن اللقاء بات قريباً، كادت الدنيا الكبيرة لا تسع فرحة عائشة، وبعد أسبوع بدأت رحلة عائشة، كان عليها أن تذهب لإدلب ومن ثم إلى تركيا، كانت رحلة شاقة جداً ولكن عندما تتذكر أنها ستلتقي بزوجها وتعيش معه كانت تلك أمنيتها، فكل شيء يصبح هيناً،
وصلت عائشة و ابنتها إلى إدلب، كان في انتظارها ابنة عمها القاطنة في المدينة، عائشة لم تزر طيلة حياتها محافظة إدلب، ولا تعلم عن ريفها و تضاريسها و بلداتها أي شيء ، كانت ابنة عمها وزوجها(خالد ) قد تولا أمور عائشة وإتمام رحلتها إلى زوجها.
في اليوم التالي تواصل خالد مع سمسار (مهرب) فلا يوجد سوى هذا السبيل لتصل إلى تركيا، و في صباح يوم الثلاثاء أخبر السمسار خالدا أن الساعة 12 ظهراً على عائشة و ابنتها أن تجهز نفسها للسفر، وأن الطريق سهل و مضمون وخلال ساعة بتكون بتركيا.
تحمست عائشة وحملت حقيبتها و ابنتها و ذهبت، كان السمسار بانتظارها في مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا ، عندما رأى السمسار حقيبة الملابس “هي الحقيبة ممنوع تدخل معك عطيني ياها وبكرا بوصلك ياها ” ، ترددت عائشة قليلاً “والله حاسسني قلبي أنو مارح يرجعا ، بس يالله المهم وصل بخير ومابدي شي ” ،كان وجه السمار قبيحاً و نظراته مريبة ، تصرفاته غير مريحة إطلاقاً ، شعرت عائشة بالخوف ولكن لم تظهره ، خافت على مشاعر طفلتها ، فعندما تراها خائفة بالتأكيد سوف تخاف.
وفي الساعة الساعة السادسة مساءً، ركب السمسار السيارة هو وزوجته وعائشة وصغيرتها ، استغل السمسار عدم معرفة عائشة بمناطق المحافظة ، وبقي يدور في سيارته بين القرى قرابة الساعة بعدها قال “هلأ صرنا بأراضي تركيا خبري خالد مشان يسلم المصاري متل ما اتفقنا ” ، تلفتت عائشة يميناً و يساراً لم تر أي دليل أنها وصلت لتركيا، ولكن السمسار أصر عليها بتهديدها بالسلاح ، اتصلت عائشة و أخبرت خالد أنها وصلت، بعد أن استلم السمسار مبلغ 2500$ ،ألقاها هي و ابنتها في قارعة الطريق في يوم شتوي ماطر الساعة 7 والنصف مساءً ، لا يوجد أحد في الشارع سوى عائشة لا تدري ماذا تفعل ولا أين وكيف ستخبر زوجها الذي ينتظرها في الجانب التركي ، وإلى أين ستذهب ، فالدنيا ظلام دامس لا ضوء ولا أي شخص بالطريق، ارتبكت وبدأت دموعها تسيل كشلالات على وجنتيها الباردتين ،فجأة ترى بصيص ضوء قادم من بعيد ، وإذا به سائق حافلة ، عندما رأى عائشة استغرب كثيراً ونزل من الباص ” خير شو عم تعملي ” ، “عمو وين أنا ” ، ” أنتي بسرمدا ” ، قصت عائشة ما جرى معها للرجل ، ” طلعي بركي بالباص لا تضلي واقفة تحت المطر أنتي و بنتك ” ، صعدت عائشة واتصلت بخالد وزوجها و أخبرتهم بما حدث ، جاء خالد مسرعاً ، فالمسافة بين إدلب و سرمدا تستغرق حوالي ساعتين تقريباُ ، إلا أنه وصل خلال ساعة من هول المصيبة ، وأعاد عائشة إلى بيته .
عبير خطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع