بعد ست أشهر من اغتيال السفير الروسي، أندريه كارلوف، في أنقرة، تم تعيين القنصل السابق لإسطنبول أليكسي يرهوف ليحلّ محلّه. وعلى الرغم من أن العلاقات التركية الروسية لم تتمكن من استعادة كامل عافيتها بعد الأزمة، إلا أن السفير الروسي الجديد في تركيا بصدد إظهار مهاراته الدبلوماسية لمساعدة بلاده على مزيد تطبيع العلاقات مع تركيا. وتجدر الإشارة إلى أن يرهوف خدم في كل من مصر، وإسرائيل، وسوريا، وهو على دراية كبيرة بمميزات العالم العربي.
في هذا الصدد، يذكر أن الرئيس فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، عين أليكسي يرهوف سفيرا جديدا لروسيا في أنقرة. وقد تم ترشيح يرهوف في منتصف شهر أيار/ مايو حيث حظي بموافقة اللجنة الدولية في مجلس الدوما الروسي.
وكما هو معروف، تم اغتيال السفير الروسي السابق أندريه كارلوف في كانون الأول/ ديسمبر برصاصة في الظهر خلاله إلقاء كلمته في حفل افتتاح في أنقرة. ويذكر أن الدبلوماسي الروسي كارلوف منح لقب البطل بعد اغتياله.
ووفقا للدكتور في جامعة إسطنبول للعلوم التاريخية والمحلل السياسي، ميهمت بيرين شيك، “يعدّ يرهوف شخصا لطيفا ومهذبا وذكيا، ويملك جميع صفات الدبلوماسي الجيد والناجح. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع يرهوف بذكاء كبير، كما له معرفة جيدة بكل ما يتعلّق بالجغرافيا السياسية والإستراتيجية وهو على دراية جيدة بمنطقة الشرق الأوسط. وإلى جانب ذلك، لطالما عُرف السفير الجديد بولائه لتركيا”.
سيكون عمله صعبا ومليئا بالمفاجآت
على الرغم من أن يرهوف يتحدث باللغتيْن الإنجليزية والفرنسية، إلا أنه لا يجيد التركية. في المقابل يتكلم العربية بطلاقة، وبمختلف اللهجات. ومن جهته، قال نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس، أندري باكلانوف، إن “يرهوف خبير بالعديد من التفاصيل والمميزات التركية، وسيكون مليئا بالمفاجآت التي ستنعكس على العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وأضاف باكلانوف أن “السفير الجديد على دراية جيدة جدا باللغة العربية، كما يتقن اللهجات العربية وخاصة اللهجة المصرية. وعلى هذا الأساس، يستطيع يرهوف القيام باتصالات واسعة بالإضافة إلى الحصول على معلومات من مختلف المصادر”. وأكد باكلانوف في السياق نفسه أن “يرهوف قضى جزءا هاما من حياته في العالم العربي وخاصة في مصر”.
ووفقا لمصادر رسمية، شغل يرهوف منصب مستشار في السفارة الإسرائيلية بين سنتي 1996 و2000. وخلال سنة 2000، عاد إلى موسكو وعمل حتى سنة 2003 في إدارة الكرملين. علاوة على ذلك، شغل منصب رئيس دائرة أنشطة السياسة الخارجية في قسم إدارة السياسة الخارجية للرئيس. كما عمل خلال الفترة الممتدة بين سنة 2003 و2006 في سوريا أي قبل أن تندلع الحرب في هذا البلد. بالإضافة إلى ذلك، شغل يرهوف منصب قنصل عام في إسطنبول.
خلال العامين الماضيين، عمل يرهوف مديرا لمركز الأزمات في وزارة الخارجية الروسية. وفي الحقيقة، يقوم هذا المركز بتتبع الأزمات وحالات الطوارئ ويحذر الروس من زيارة البلدان غير الآمنة. وعموما، يتيح هذا المركز للروس التواصل مع الإدارة على مدار الساعة.
نقطة مثيرة للجدل في العلاقات الثنائية: سوريا
وفقا لعديد الخبراء، فإن العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا تتسم بالتناقض على العديد من الأصعدة. فعلى الرغم من استعادة علاقات التعاون الثنائي والشراكة متعددة الجوانب بين الطرفين، بما في ذلك في بعض النقاط المتعلقة بالأزمة السورية، إلا أن هنالك العديد من العوائق تقف خلف تطور العلاقات بين البلدين. وعلى هذا الأساس، لا تزال العلاقات الثنائية تفتقر للثقة المتبادلة، ولا يمكن أن ننسى العقوبات والقيود التي فرضها الطرفان على بعضهما البعض في فترة ما. وعلى الرغم من أنه تم التخلي عنها، إلا أن بعض النقاط الخلافية تساهم في تأخر تطور العلاقات.
وفي هذا الصدد، تبقى الأزمة السورية بمثابة العقبة في طريق تحسين العلاقات الثنائية. وفي الواقع، تعتبر هذه هي المشكلة الوحيدة تقريبا التي أدت إلى تدهور العلاقات التركية الروسية. وإن لم تكن هناك القضية السورية، لكان التفاعل سيكون أفضل بين البلدين بالإضافة إلى الشراكة الاستراتيجية في جميع القضايا، وفقا لخبراء روس.
في المقابل، يعتقد الأستاذ في جامعة الاقتصاد وخبير العلوم السياسية تورغول إسماعيل، أن القضية السورية وصلت إلى نقطة هامة من حيث التفهم بين الطرفين التركي والروسي. وأضاف إسماعيل أنه “لدينا مناطق أخرى للاتفاق، خاصة في مجال الاقتصاد والطاقة، كما لم نتمكن بعد من تحقيق التعاون في المجال العلمي والتقني”.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الروسي همت بيرينسك، أنه على قناعة بأن المشكلة الرئيسية في العلاقات الثنائية تسير بشكل أفضل، والدليل على ذلك التعاون في مفاوضات أستانا. وأضاف بيرينسك أنه إذا تخلى أردوغان عن فكرة إسقاط الأسد سيتم تحسين العلاقات الروسية التركية. ومن جهته، يعد الأسد “الشخصية السورية الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية بالإضافة إلى ضمان السلامة الإقليمية بما فيها سلامة الأراضي التركية بالنسبة لموسكو. أما روسيا، فيجب أن ترفض التعاون مع الانفصاليين الأكراد في سوريا حماية لمصالح تركيا.”
ونظرا لأن السفير الروسي الأخير في تركيا قتل بطريقة مثلت تهديدا في وقت من الأوقات على العلاقات الروسية التركية، واعتبرت محاولة من أطراف أخرى لتقويض العلاقات المتجهة نحو التطبيع، فإن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق السفير الروسي الجديد أليكسي يرهوف. ووفقا للخبراء، فإن يرهوف يعدّ الشخصية الأنسب القادرة على الحفاظ على العلاقات الروسية التركية ومزيد تطويرها، نظرا لخبرته الواسعة ومهاراته الدبلوماسية.
ترك برس