يحاول العديد من الشباب الذين اتّجهوا إلى تركيا أو بلاد أوروبا وبدأوا العمل ووجدوا نوعاً من الاستقرار البحث عن زوجة تعينهم على مجابهة غربتهم، إلاّ أنّ الأمر لا يكون بهذه السّهولة، فيتجه معظمهم للبحث عن ضالّتهم في سوريا والعمل على جلبهن إلى البلاد التي استقروا فيها.
يواجه من يود أن يبحث عن عروس في سوريا العديد من المصاعب وأوّلها طريقة إحضار عروسه من هناك فلا معابر مفتوحة ولا حدود تسمح بمرورها بلا مخاطر.
يقول “سامر” شاب سوري في النصف الثاني من عقده الثاني من قرى ريف ادلب الجنوبي يحكي قصّته ويصف المصاعب التي واجهها قائلاً: “جئت إلى تركيا منذ قرابة 4 سنوات وأعمل في معمل لصناعة البلاستيك في إسطنبول، ومللت من العيش في سكن الشباب، ولابدّ لي في نهاية المطاف من الزّواج وإكمال نصف الدين كما يقولون”.
عمل سامر على الآلة ليس سهلاً فقد فقد إحدى أصابع يده اليسرى بعد أن فرمتها مسننات الآلة التي يشرف عليها في ذلك المعمل الضخم، ويعمل 12 ساعة متواصلة مما يصعّب عليه الحياة في بيت منفرد، ويكمل قائلاً: “أعود من عملاً منهكاً ويكون أمامي أن أجهّز الطعام أو أن أغسل الأطباق عندما يكون دوري، أو أغسل ثيابي وهذا يجعل الحياة أمر شاق للغاية”.
لم يكن من سامر إلاّ أن يفكر بفتاة تعينه على غربته وتحمل عنه مشاق الحياة في بلاد يمضي جلّ وقته فيها أمام آلة لا يهدأ هديرها أبداً، إلاّ أنّ الصعوبات قد بدأت لتوّها، فيقول سامر “بحثت هنا في المنطقة التي أسكن فيها إلاّ أنّ الجميع هنا يطالب بمهر مرتفع جداً بالإضافة إلى متطلّبات أخرى نعجز عن تأمينها معظم الأوقات، ويكون الخيار الثاني لنا هو أن نخطب إحدى الفتيات اللواتي نعرفهن من سوريا وتبدأ بعدها مصاعب وخطوات إحضارهنّ إلى هنا وما يرافقها من عذاب ومشقّة وخطر”.
أطلق سامر تنهيدة طويلة حاول أن يخرج معها كلّ ما يجول في خاطره من حزن وتعب وأردف قائلاً: “خطب لي أهلي إحدى قريباتي، إلاّ أنّ محاولات تهريبها عبر الحدود باءت بالفشل، فقد حاولت إحضارها 4 مرّات وفي كلّ مرّة إمّا يتخلّى عنهم المهرّب أو يضبطهم حرس الحدود ويعيدونهم إلى سوريا”.
أكمل سامر حديثه محدّقاً بي وقد توسّعت حدقتا عيناه قائلاً: “في إحدى المرّات كدت أن أفقد خطيبتي أثناء محاولتها القدوم إلى هنا، فقد أطلق حرس الحدود النار على المجموعة التي كانت ضمنها وأصيب شخصان بجروح، قبل أن يعودوا أدراجهم خائفين مرتعبين من هول الحادثة”.
لا يزال سامر ينتظر فرصة جيّدة تمكّنه من إحضار خطيبته إلى تركيا دون أن يعرّض حياتها للخطر، أو سيضطر لإيجاد حلّ آخر كما يقول: “الآن ننتظر أن يتحسّن وضع الحدود وإن لم أتمكّن من إحضارها لن يكون أمامي إلاّ العودة إلى سوريا والبحث عن عمل يعيلني مع أسرتي المستقبلية هناك، فلا حلّ آخر”.
ليست كلّ الفتيات كخطيبة سامر، تبحث عن الاستقرار والأمان، وإنّما استغلّت بعض الفتيات الخطوبة كحيلة تمكنهنّ من المجيء إلى تركيا على حساب الشاب الذي سيضطر إلى دفع تكاليف السفر عبر الحدود للمهرّب، وبمجرّد وصولهنّ يختلقن المشاكل ليلغين عقد الزواج ويبدأن حياتهنّ الخاصّة.
فيتحدّث علاء الشاب الثلاثيني من ريف حلب عن تجربته الفاشلة في إحضار فتاة كان من المفترض أنّها ستصبح عروسه ويقول: “تعرّفت على الفتاة عن طريق أحد أصدقائي واتفقت مع أهلها على أن أحضرها إلى تركيا على حسابي إلى بيت أحد أقربائها الذي سيكون وكيلها في إسطنبول لنكمل إجراءات الزّواج، إلاّ أنّها بمجرّد وصولها إلى تركيا لم تجب على مكالماتي الهاتفية وحظرتني من برنامج الوتساب، فقد استغلتني بالقدوم إلى تركيا على حسابي لا أكثر”.
كثيرة هي الحكايات والقصص التي تحكى في جلسات الحديث عن المعابر والتهريب والزواج البعيد عن طريق إرسال العروس إلى خطيبها لإتمام الزواج، فمنها من تكللت بالزواج والنجاح ومنها من دمّرت أحلام شباب عملوا بجدّ لتحقيقها إلاّ أنّ الكثير من الأماني تبقى أمنيات.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع