“إن الكريمة في الزواج لحرة” قالها أحد الشعراء في إحدى القصائد، ناقش فيها مشاكل قديمة-حديثة، تواجدت في مجتمعاتنا العربية ولاتزال موجودة، بل زادت منها الحروب والأزمات مع تحول الربيع العربي إلى خريف دامٍ، فبدأت تلك الحروب تُغيّر في البنية الاجتماعية في الوطن العربي، وخوصا في سوريا الذي بدا التغيير الفكري والديموغرافي فيه واضحا مع-في سنوات الحرب الأخيرة.
مشاكل الزواج في الحروب عديدة ولا مجال لحصرها في تقرير واحد، إلا أن أبرز المشكلات التي يمكننا الحديث عنها ” الزواج المبكر” عند الفتيات خصوصا، فالمشكلة زادت وارتفعت إلى حد أن أكثر من نصف عقود الزواج باتت لتثبيت عقود قاصرات تحت السن القانوني للزواج، وذلك حسب ما أعلنه القاضي الشرعي للنظام، قائلا بأن: “الأسباب التي تدفع الآباء لتزويج بناتهن في سن مبكر لا أساس لها من الصحة”.
تتعد الأسباب الاجتماعية، إلا أن أهمها تلك التي خلفتها الحرب وأثرت فيها، خصوصا في مجتمع كالمجتمع السوري يتمتع بعقلية محافظة وملتزمة، وكغيره من المجتمعات العربية يخاف على الفتاة ويجعلها في “حرز” خوفا من العار الذي قد يلحق بالعائلة، بالأخص في الحرب السورية، في حين تتكرر معارك الكر والفر في كثير من المناطق، بالإضافة إلى الاقتحامات المتكررة لبعض المناطق لجيش النظام، ما يعرض كثيرا من الفتيات للاغتصاب من قبل عناصر النظام أثناء المداهمة أو خلال فترة الاعتقال.
قالت “سارة ليا واتسون” مديرة منطقة الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايس وتش، حسب تقرير نشرته السورية نت، “لا تقتصر الاعتداءات على مراكز الاحتجاز، فالقوات الحكومية والشبيحة الموالون للحكومة اعتدوا جنسياً أيضاً على نساء وفتيات خلال مداهمة منازل واجتياح مناطق سكنية”.
فهذا بحد ذاته سببا يدفع الآباء لتزويج بناتهن في سن مبكرة، فأي أب لا يخاف على ابنته؟ فهي – بعقلية السوري- عرضه الذي يجب عليه أن يحميه، فيجد تزويجها الحل الأفضل للحفاظ عليها، فلا أصعب من اعتداء على شرف الفتاة بحضور والدها، كما روت “مريم” قصتها لنا فتقول: ” تم الاعتداء عليّ من قبل حاجز للنظام بطريقنا للسفر إلى لبنان أمام أبي، ولحرقة قلبه قام بتزويج أخواتي الصغيرات، خوفا من أن يتكرر الحال معهن”.
السبب الآخر الذي يمكن أن يدفع الفتيات، قبل الآباء، للزواج المبكر، هو انتهاء حلم الدراسة في المناطق المحررة، فعدم وجود اعتراف للشهادات الإعدادية والثانوية وأيضا الشهادة الجامعية، واقتصارها على جامعات في بعض المناطق بالإضافة إلى القصف المتواصل للمراكز التعليمية، أدى بشكل كبير لعزوف كثيرات عن الدراسة واللجوء للزواج.
“هنادي” فتاة في الخامسة عشر تشرح لنا أسباب زواجها المبكر فتقول: “تركت الدراسة لأن ما في شي مضمون، والسفر ع مناطق النظام مستحيل، كان لازم أخلص من تسلط ذكورية الأخوة الأكبر مني بعد ما قعدت بالبيت، مشان هيك وافقت”، ..حالها كحال فتيات كثيرات هنا في سوريا.
الزواج المبكر سواء أكان حلا أم كارثة اجتماعية – على حد تعبير البعض، يجب أن نتذكر قول الشاعر ذاته: ” أفئدة النساء لا تباع ولا تشترى”، وأننا إن لم نستطع تغير هذه المشكلة، علينا أن نجد حلولا لها، كدورات تأهيلية للفتاة؛ لتتعلم كيف تواجه تلك المسؤولية التي رميت على عاتقها، وإحداث مراكز تعلمية للمتزوجات القاصرات حتى لا يحرمن من حقهن من التعلم، وأخيرا تفعيل المنظمات الصحية للعناية بالأم الصغيرة وتثقيفها صحيا لتجنب مخاطر الولادة للأمهات الصغيرات، ..ويبقى هذا برسم المسؤولين.
المركز الصحفي السوري- آية رضوان