وكانت موسكو قد أطلقت منذ نحو شهر مبادرة لإعادة اللاجئين “طوعياً” بحسب الادعاء الروسي، والتي أيدها النظام السوري، مشترطاً الموافقة الأمنية لمن يبدي الرغبة بالعودة. وعقد في سورية الاجتماع المشترك الأول بين المركز الروسي لاستقبال وتوزيع وإيواء النازحين واللاجئين السوريين و”هيئة التنسيق لإعادة المهجرين السوريين في الخارج” التابعة للنظام، والتي تضم معاوني وزراء الخارجية والمغتربين والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام وممثلين عن وزارة “المصالحة الوطنية” والجهات المختصة. وحدد النظام مهمة “الهيئة” بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، المحلية والعربية والدولية، و”التي يهدف نشاطها إلى تأمين الظروف الملائمة لتسهيل عودة المهجرين السوريين إلى أرض الوطن، والسعي إلى توفير سبل المعيشة الكريمة لهم”، بحسب ادعائه.
وقال رئيس المركز الروسي، اللواء ألكسي تسيغانكوف، في تصريح صحافي، إن عشر نقاط عبور أنشئت حالياً، هي “معبر واحد علىالحدود السورية الأردنية هو معبر نصيب، وخمسة معابر على الحدود السورية اللبنانية هي الزمراني، وجديدة يابوس، والدبوسية، وتل كلخ، والقصير، وللنازحين داخلياً معبرين هما أبو الضهور والصالحية، إضافة إلى معبرين جويين، وواحد بحري في بانياس”. وكان المركز الروسي، الذي أنشئ كمقر مشترك بين الإدارات في وزارتي الدفاع والخارجية وإدارة الدفاع الوطني، لتنسيق عمل مركز الاستقبال والتوزيع والإقامة في سورية، أشار إلى أنه وبناء على البيانات الأولية، فقد عبّر 1712166 سورياً عن رغبتهم في العودة إلى بلدهم من ثماني دول، هم 889031 من لبنان، و297342 من تركيا، و174897 من ألمانيا، و149268 من الأردن، و101233 من العراق، و99834 من مصر، و412 من الدنمارك، و149 سورياً من البرازيل، وهي أرقام يُشك بصحتها، إذ لم يبين المركز من أين وكيف حصل عليها، وهي تبدو مجرد ادعاءات لإقناع العالم أن الوضع في سورية أصبح آمناً وأن هناك سوريين يريدون العودة. فعلى سبيل المثال أكدت مفوضية اللاجئين في الأردن، أول من أمس، خلو السجلات لديها من تسجيل أي حالة عودة طوعية من قبل اللاجئين السوريين لبلدهم خلال شهر يوليو/تموز الماضي، بحسب المتحدث الرسمي باسم المفوضية في الأردن محمد الحواري، في حين أشار “مركز المصالحة” إلى رغبة نحو 150 ألف سوري بالعودة إلى بلدهم.
وقالت مصادر متابعة في دمشق، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “المهجرين الراغبين بالعودة إلى سورية، يخضعون إلى موافقات أمنية سابقة لقدومهم وتحقيقات لاحقة، فالنظام ينتقي من آلاف الراغبين بالعودة، وغالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، بضع مئات، وما حدث في لبنان مثال حي، فمن نحو 3 آلاف تقدموا بطلب عودة، وافق النظام على نحو 400 شخص فقط”. وأضافت “بعد عودة اللاجئين يتم إخضاعهم إلى تحقيق أمني للتأكد من خلو سجلهم من أي تهم أمنية أو جنائية، إضافة إلى امتلاكهم أوراقاً ثبوتية، في حين أن الشباب، الذين ليست لديهم القدرة على تأمين تأجيل الخدمة العسكرية الإلزامية بقوات النظام، يتم إلحاقهم بجبهات القتال. وقد تكون هذه الخدمة من أكبر المشاكل التي يواجهها السوريون، في الخارج والداخل، حيث يوجد مئات آلاف الشباب الممتنع عن الخدمة أو المنشق عن القوات النظامية، في حين يطلب النظام ممن أتم الإقامة خارج البلاد لمدة أربعة أعوام دفع بدل نقدي يبلغ 8 آلاف دولار أميركي”. ولفتت إلى أن “جزءاً كبيراً من المهجرين خرجوا من مناطقهم من دون اصطحاب أوراق ملكياتهم الخاصة، إضافة إلى أن غالبية من كان يقيم في مناطق عشوائية، والتي كانت تحتضن 40 في المائة من سكان سورية، ليس لديهم أوراق رسمية تثبت ملكيتهم لمنازلهم”.
وقد بدا واضحاً أن مشروع إعادة اللاجئين ما هو إلا ورقة سياسية يحاول الروس من خلالها إيهام العالم أن الوضع في سورية قد حسم بشكل نهائي، وأن الوضع أصبح مهيأً لإنتاج حل سياسي يقوم علىإعادة تأهيل النظام وفق الطريقة الروسية، كما أنه يحمل رسائل لكل الدول التي تعاني من ضغوط وجود لاجئين سوريين على أراضيها بأن هذا الملف هو الحل لمشكلة اللاجئين. هذا في الوقت الذي استخدم فيه النظام كل وسائل إعلامه غير الرسمية في الترويج إلى أن كل من سيأتي إلى سورية لن ينجو من الحساب، الأمر الذي يشي بعدم جدية النظام باستقبال اللاجئين في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه وفي ظل عدم وجود بنى تحتية قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، الأمر الذي يجعل من المشروع الروسي عبارة عن مناورة سياسية من أجل تحقيق المزيد من المكاسب على طريق تثبيت النظام، ولكن هذه المرة بلبوس إنساني.
من جانبها، اعتبرت مصادر معارضة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “مبادرة إعادة اللاجئين قبل التوصل إلى حل سياسي في سورية، مسمار روسي جديد يدق في نعش حل الأزمة السورية ومفاوضات جنيف”، موضحة أن “المجتمع الدولي يعلم أن الحلول التي تقدمها روسيا مجرد حلول واهية لا تلامس معاناة السوريين سوى من السطح، خصوصاً أن كل الضمانات الروسية لم تكن حقيقية، فهذا هو النظام ينفذ حملات اعتقال في ريف حمص والغوطة الشرقية ودرعا وغيرها من المناطق، بحجة أنهم مخربون أو وجود ادعاءات شخصية ضدهم. كما أنه يقتاد الشباب إلى الخدمة العسكرية حتى قبل انتهاء مدة الـ6 أشهر الممنوحة لهم، والتي يجب عليهم بعدها الالتحاق بالخدمة العسكرية في حال لم يستطيعوا الحصول على تأجيل بحسب القوانين السورية”. ورأت أن “الروس يتعاملون مع ملف المهجرين كما تعاملوا مع ملف المعتقلين سابقاً، إذ قام النظام بتوفية آلاف المعتقلين لديه، للتخلص من هذا الملف الإنساني الضاغط عليه. وهو أعلن أنه تم القضاء على تنظيم داعش في المنطقة الجنوبية، بالرغم من استمرار المعارك مع التنظيم في شرق السويداء، وكأنه يستعجل الإعلان عن إنهاء ملفات الأزمة السورية للحصول على مكتسبات على المستوى الدولي. وقد نشهد خلال الفترة المقبلة الإعلان عن بدء عمل اللجنة الدستورية وإقرار دستور وغيرها من الإجراءات السياسية الأخرى، وكأن الأزمة السورية قد انتهت على يد الروس ليقدموا أنفسهم كقوة دولية وازنة”. وأضافت “الروس كذلك ليسوا بعيدين عن إعادة تشكيل مجتمع يتناسب مع توجهاتهم، وهذا واضح من عمليات التهجير إلى الشمال لكل من لا يقبل الرضوخ لهم وللنظام، وحتى الانخراط في القوى العسكرية التي يشكلونها، خصوصاً ما يسمى الفيلق الخامس اقتحام”.
المصدر: العربي الجديد