في حكاية لا تخلو من الظرافة يقال إن وزير الثقافة الفرنسي وقف أمام أعمال فنانين تشكيليين عرب واندهش وتمحلق، وقال أمام زوار المعرض ما أبهاه وما أبدعه لقد أتقنتم الثقافة الأوربية ولكن هذا نحن فأين أنتم؟ وأراد أن يتمتع أو يتعرف على ثقافتهم الإسلامية أو العربية.
وهذا نموذج عن المثقف الهضيلة أو الرجل الأوربي المثقف. وزعموا أن الصاحب بن عباد قال لابن عبد ربه عندما أهداه نسخة من العقد الفريد “هذي بضاعتنا ردّت إلينا”، في إشارة أنّ ما جمعه في العقد أدبا مشرقيا، وكنا ننتظر منك ما كتب هناك في الأندلس.
ولم ينعت ابن عباد صاحب العقد بـ”المثقف الهضيلة”، كما فعل صاحبنا الفرنسي في الرواية الأولى. فمن هو الرجل الأوربي المثقّف أو “المثقف الهضيلة”؟
ما بين الروايتين يتضح لنا أننا بصدد مجموعة من العرب الجدد في أوربا أو غيرها من بلاد استقبلتهم كلاجئين، حفظوا مصطلحات جديدة رائجة عن ظهر قلب وتبنوا تلك المصطلحات دون دراسة أو تفنيد، ليس لهم كينونتهم أو أية محاولة لبناء شخصيتهم إنما هم محض تقليد أعمى وتكرار رتيب للنسخ الأصلية في مفاهيمها ومعتقداتها.
فتراه يتحدث ويكتب مناشيرا طوال في صفحته على فيسبوك يكرر مصطلحات رائجة كالجندرة، الماورائيات، الإثنية، اليمين حرية الصحافة وحرية المعتقدات بنظرية موت المؤلف…الخ
ويتبنى فكرا لشخصية معروفة كشاعر أو ثائر بخلاف ما يدعيه هو دائما، ولم تقف ثقافة الهضايل عند شخص إنما تعدتها لعدوى المؤسسات، فمثلا احتفل طلاب جامعة حلب التابعة للنظام السوري بذكرى تحرير حلب من الإرهاب حسب زعمهم وقرؤوا قصائد لنزار قباني وأغفلوا أن الشاعر هجا هذا النظام بأجمل قصائده، وعلى الضفة الأخرى احتفلت جامعة حلب في المناطق المحررة بذكرى الثورة على وقع قصائد تميم البرغوثي وهو من أشدّ المعجبين بممانعة النظام الذي يحتفلون بالثورة عليه!
والرجل الأوربي أو المثقف الهضيلة لا رابط بين مبادئه الثابتة وأحكامه المجسِّدة لها، كما حدث في الجامعتين السابقتين وأمثلة لا حصر لها في ثقافتنا العربية عامة والسورية على وجه الخصوص.
فعندنا الشاعر الأوربي الهضيلة والناقد الأوربي الهضيلة والصحفي الأوربي الهضيلة.
فشاعر يضمن قصيدته كلمة “سيزيف” يعد الانتصار والإبداع أن يكسب من زوجته قلبا جاور زر اللايك في فيسبوك وتعلق له “الله الله أيها المبدع” لتحندق سلفتها بأن زوجها شاعر مهم وهو متنبي عصره!
وتسأل الهضيلة زوجها الشاعر الأوربي المثقف الهضيلة، ما هذا سيزيف؟
فيجيبها أن سيزيف سيزيف سيزيف …. سأسألك سؤالا كي أجيبك، هل تعرفين عقدة أوديب؟
طبعا الزوجة لا تعرف أوديب ولا سيزيف ولا تعرف من فتح الأندلس في حلقة مرايا الشهرية.
والمثقف الأوربي الهضيلة يمتاز بفرط نشاط ثقافي على منصات التواصل الاجتماعي، فينشر صورا له في متاحف شهيرة كاللوفر، ويستأنس بالطبيعة في صورة أخرى ويتلمس جدران كنيسة قديمة في روما وإذا سألته عن قصر الحير الشرقي يقول لك على ما أعتقد بنته مؤسسة الإسكان العسكرية لاستقبال الرئيس كلينتون في زيارته الشهيرة.
وللرجل الأوربي المثقف الهضيلة نشاطات مفرطة بين أصدقائه الهضلان الذين منعتهم ظروفهم أو محبتهم لأهلهم من السفر واضطروا البقاء في الوطن، فيجمعهم في مجموعات واتس أب ويثقل كاهلهم بروابط لا تفتح في بلادهم بسبب الحظر أو روابط مقالات بلغة ألمانية تتحدث عن السيميائية و اللازوردية المنبثقة عن ازدواجية التعبير في عنوان قصيدة للشاعر موليير، موليير الشاعر الفرنسي الأوربي الهضيلة.
أدبيات ساخرة / عادل الأحمد