كان عقد الثمانينيات وبداية عقد التسعينيات كارثياً على الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان القطب المعادل للقطب الأمريكي.
حيث بدأ التفكك والانهيار يصيب أركانه وأخذت جمهورياته تتساقط الواحدة تلو الأخرى كأوراق التوت، كذلك شهدت انكساره في أفغانستان وسقوط جدار برلين الذي كان يعتبر جداراً دفاعياً عنه جغرافياً وفكرياً، فتراجعت هيمنته في مناطق سيطرته على العالم ترافق ذلك سقوط الكثير من حلفائه وعودة بعضهم للحضن الأمريكي.
لتصبح روسيا الاتحادية هي الوريث الشرعي لتركة الاتحاد السوفياتي الثقيلة، فقد ترك لها إرثاً من الانتكاسات والخيبات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
ومع صعود نجم فلاديمير بوتين واستلامه دفة القيادة في روسيا وإمساكه بزمام السلطة وبقوة ومداورتها بما يشبه اللعبة المسرحية مع صديقه ميدفيدف، فقد بدأ بالبحث عن تحقيق أمجاد لروسيا على أنقاض ما كان حققه الاتحاد السوفياتي سابقاً ليعيد أمجاد روسيا القيصرية إلى واجهة الأحداث.
لكن بوتين الذي ورث من الاتحاد السوفياتي مشاكل اقتصادية واستلم السلطة وهو يدرك أن روسيا الضعيفة اقتصادياً لن تستطيع أن تحقق أي إنجاز يعيدها لواجهة الأحداث ما لم تحقق تقدماً اقتصادياً.
فبدأ محاولاته لتحقيق علاقات اقتصادية قوية مع دول تعتبر صاعدة اقتصادياً كالهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا بما يسمى دول بريكس، كما أنه أخذ يبحث عن موطئ قدم له في دول أمريكا اللاتينية خاصة تلك التي تحكمها أنظمة معادية لسياسات واشنطن والتي تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية كذلك فقد اتجه إلى أفريقيا والشرق الأوسط والخليج وإيران ليشكل تحالفات اقتصادية تعيد للاقتصاد الروسي توازنه وإعادة أمجاد روسيا وبذات الوقت تكون تلك الدول قد ارتبطت بروسيا من خلال هذه الاتفاقيات مستفيدة من القوة الروسية وخاصة الفيتو الروسي والسوق الروسية والغاز الروسي.
هذه التحالفات جعلت الولايات المتحدة ترى في طموح بوتين تهديدا جديا لها يعيد أصداء الحرب الباردة التي بدأت بالأفول فأعادت العمل بسياساتها القديمة.
حيث بدأت بحصار روسيا اقتصادياً وعسكريا فأعادت العمل باتفاقية الدرع الصاروخية مع دول أوروبا الشرقية، وكذلك بدأت بتشجيع الأوكرانيين على تحقيق انفصالهم التام عن روسيا والمقصود هنا الانفصال السياسي والاقتصادي، أوكرانيا التي تعتبرها روسيا الحديقة الخلفية لها ومن ثم بدأت دول أوربا الشرقية بالانضمام لحلف الناتو تباعاً وهو العدو التقليدي للروس.
هذا كله أعاد أجواء الحرب الباردة لتلقي بظلالها على المنطقة فكان الرد الروسي بالعودة لسياسة العداء لجميع المصالح الأمريكية في أي منطقة بالعالم وبتقديم الدعم للدول التي تدعي معاداة أمريكا في المنطقة.
فبدأت بدعم صدام حسين أثناء الغزو الأمريكي للعراق غير أن هذا الدعم لم يكن سوى دعماً سياسياً وإعلاميا، حيث أن الروس لم يستطيعوا الوقوف في وجه التحالف الدولي فتخلت عنه بعد أن كانت قدمت له الوعود بالوقوف إلى جانبه لكنها اضطرت للانسحاب بهدوء من المشهد العراقي، كذلك كان للانتكاسة التي أصابت المشروع الروسي في كوسوفو أثراً لغياب روسيا عن مسرح الأحداث.
لكن هذا الغياب لم يكن طويلاً، فمع بداية الربيع العربي عادت روسيا لمسرح الأحداث مجدداً لتعلن دعمها الصريح لنظام القذافي في ليبيا وتقف إلى جانبه وتعددت زيارات وزير خارجيتها لافروف إلى ليبيا سراً وعلناً لتذهب وعودها أدراج الرياح بضغط من مجلس الأمن الخاضع لسياسات الولايات المتحدة وتحت ضغط ضربات التحالف فتخلت عن القذافي لتتركه وحيداً في صحراء ليبيا.
لذلك فقد كانت الثورة السورية هي الفرصة الأخيرة للروس للحفاظ على ماء وجههم في المنطقة، وبذات الوقت الحفاظ على آخر ما تبقى من مصالحهم في الشرق الأوسط وشواطئ البحر الأبيض المتوسط لذلك فلم يخف الروس دعمهم لنظام الأسد وإن مر هذا الدعم بعدة مراحل بادية من الدعم الدبلوماسي والسياسي من خلال استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن ولأكثر من مرة فيما اعتبر سابقة في المجلس حيث أفشلت العديد من مشاريع القوانين فيه والتي تدين وحشية النظام السوري في قمع شعبه حتى ظهر للعالم أجمع وكأنها من يتبنى النظام السوري سياسياً رغم الادعاء المتكرر لساستها بأنها تقف إلى جانب الشعب السوري وليس إلى جانب بشار الأسد كشخص.
فراس علاوي
المركز الصحفي السوري