ثمّة توجّه لدى الحكومة اللبنانية إلى إقفال الحدود مع سورية، ومنْع التهريب بشكل نهائي، لأنّ من شأن ذلك الحفاظ على الكميات المدعومة من الطحين والمازوت وغيرهما من المواد للسوق اللبنانية، وبالتالي تأمين حاجيات هذه السوق أطول فترة من تلك المواد المدعومة، وهذا من شأنه الحدّ من غضب الناس على الوضع المعيشي، وقد أخذ مجلس الدفاع الأعلى (أعلى سلطة أمنية عسكرية في لبنان) سلسلة قرارات للحدّ من التهريب ووقفه. غير أنّ حسابات أهل
السلطة، والحكومة على ما يبدو، وخضوعهم في مكان ما لضغط صندوق النقد الدولي، وشروطه الأميركية تحديداً، ومنها وقف التهريب، لم تَرُقْ لحزب الله، وهو أحد أبرز الأطراف الداعمة والراعية للحكومة، فخرج الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في اليوم ذاته لقرارات مجلس الدفاع الأعلى (13 مايو/ أيار الجاري)، وأعلن أنّ مسألة وقف التهريب تحتاج إلى تنسيق مع النظام السوري، أو بالأحرى إعادة تطبيع العلاقة بين بيروت ودمشق، وإلى تنسيق ميداني بين الجيشين، السوري واللبناني، معتبراً كل طرح غير ذلك غير ذي جدوى. وتعرف الحكومة أنّ هذا المطلب صعب في هذه المرحلة، ونحن نقف على أعتاب دخول “قانون قيصر” الأميركي حيّز التنفيذ اعتباراً من شهر يونيو/ حزيران المقبل، وهو قانون يستهدف معاقبة أي داعم لنظام الأسد في دمشق.
عملياً، هذا يعني تفريغ قرارات مجلس الدفاع الأعلى والحكومة من مضمونها، وبالتالي استمرار عمليات التهريب على أوسع نطاق، وبحماية من الحزب، بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنّه مستفيد بشكل مباشر من هذه العمليات، إن لناحية تأمين مستلزمات حياتية بأسعار رخيصة للبيئة التي يتحرّك فيها، أو لناحية منح مناصريه فرصة الإفادة من عمليات التهريب المزدوج، وخصوصاً أنّ الحدود تقع في مناطق تعتبر مناطق نفوذ له (بعلبك والهرمل). وهذا كلّه يعني أيضاً أنّ العجز المالي سيتفاقم في لبنان، لأنّ قدرة المصرف المركزي على توفير التغطية المالية لكل الكميات التي تهرّب إلى سورية من المازوت والطحين وغيرهما ستتضاءل وتتلاشى، يوماً بعد يوم، وبالتالي ستُدْخِل لبنان دوّامة جديدة من التحرّكات الاعتراضية، خصوصاً إذا ما قفز الدولار مقابل الليرة اللبنانية قفزات نوعية جديدة.
واضح أنّ الخناق بات يضيق على الجميع في لبنان. على الحكومة التي باتت بأمسّ الحاجّة إلى مساعدات الدول الداعمة (مجموعة الدعم الدولية) وصندوق النقد الدولي، وإلا ستواجه مصيرها في الشارع. وعلى حزب الله الذي بات يشعر بأنّ الإجراءات الخارجية والداخلية تزيد من عزلته ومحاصرته. وعلى الرئاسة الأولى، أو ما يُعرف هنا بالعهد الذي بات يشعر بالقلق من الفشل الذي مُني به على مستوياتٍ كثيرة، وهو الذي يطمح إلى توريث مقعد الرئاسة إلى صهره المدلل، جبران باسيل، لاستكمال عملية السيطرة على الحكم والسلطة من خلال ما تسمّى استعادة الصلاحيات.
هل تنجح حكومة حسّان دياب في وقف التهريب؟ وبالتالي استعادة جزء من ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي؟ وما هي أقلّ الأضرار التي سيختارها حزب الله في المرحلة المقبلة؟ وأين ستقف الرئاسة الأولى، وكيف ستفاضل بين حليفها الداخلي (حزب الله) والقوة العالمية التي تتحرّك لرسم معادلات المنطقة من جديد (أميركا)؟ يبدو أنّ العقلانية السياسية لن تستمر طويلاً في لبنان، إلا إذا استفقنا يوماً ما على تسوية جديدة بين القوى الكبرى، وهذا قد لا يكون مستحيلاً في ظل الأزمات التي يعيشها الجميع ويجهد في إيجاد المخارج لها، ولو باقلّ الأكلاف الممكنة.