(رويترز) بغض النظر عما قد يعتقد نظام الأسد ومعارضوه، فليس هناك أي طرف يتجه نحو تحقيق نصرٍ عسكري في سوريا. تمضي الحرب في مسارها الحالي إلى الأسوأ. أعداد متزايدة من القتلى وتصاعد لوتيرة التطرف عبر الحدود، ناهيك عن تدمير المزيد من النسيج الاجتماعي والحضري في البلاد.
إن استمرار المأساة السورية ستفضي إلى ارتفاع فاتورة التكاليف التي يتكبدها أصحاب المصالح الخارجيين الرئيسيين في الصراع السوري – إيران وروسيا في معسكر النظام، والولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر إلى جانب المعارضة. حان الوقت لمؤيدي كل طرف من هذين الطرفين للاعتراف بأن خصومهم لن يستسلموا، وبأنهم أمام مهمة صعبة باتخاذ قرار جيوسياسي يقضي في نهاية المطاف بوضع حد لهذه الحرب.
حتى أن المكاسب الأخيرة للمتمردين في الشمال والجنوب لا تبشر بتحقيق نصر في تلك الحرب التي تتمدد عبر الحدود. كما أن النظام ما زال يسيطر على مناطق إستراتيجية أساسية من دمشق وحتى الساحل.
في الوقت نفسه، تبدو قوات النظام مجهدة بشكل واضح، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الخسائر التى تعاني منها. علاوة على ذلك، لا يبدو أن المقاتلين الأجانب الذين يحاربون بجانب قوات النظام، والذين ينتمون إما إلى إيران أو إلى حزب الله في لبنان، على استعداد أو حتى قادرين على توفير القوة الكافية لمنع الخسائر المستمرة على أطراف الأراضي التي يسيطر عليها النظام.
مناصرو طرفي الصراع في سوريا استثمروا الوضع الراهن لتغيير المسار نحو حل سياسي. ينبغي على الدول الداعمة أن تنّحي أمانيها جانبًا وتحدد أيًّا من المطالب الأساسية التي يمكن تحقيقها على أرض الواقع. تغيير المسار وتبادل للمصالح الإستراتيجية بات أمرًا حتميًا لوضع حد للحرب التي تغذي ليس فقط جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بل أيضًا تفاقم من الانقسامات السياسية والطائفية في المنطقة.
إننا بحاجة إلى ديناميكية «فاضلة» يمكن أن تفضي في نهاية المطاف إلى التفاوض للتوصل لحل سياسي مستدام، ويحظى بضمانات دولية. وهذا يتطلب وضوحًا إستراتيجيًا وتنازلاتٍ متبادلة.
يمكن للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أن تحل اللغز السوري في حال قامت تلك القوى بوضع الخطوط العريضة لإستراتيجية جادة، بالتعاون مع تركيا والسعودية وقطر، لتعزيز المعارضة الرئيسية ودفعها نحو رؤية سياسية.
ينبغي أن تضغط القوى الغربية والإقليمية المؤيدة للمعارضة بصورة تدريجية على المتمردين في سوريا للاختيار بين الدعم الخارجي الكبير ودورهم في المستقبل السياسي التعددي في بلادهم من جهة، وبين مواصلة التعاون مع الجماعات الجهادية العابرة للحدود من جهة أخرى. ثمة حوافز مطلوبة للمشاركة السياسية العملية واحترام المجتمع المدني المحلي، في حين يتم نبذ ومعاقبة التكتيكات العشوائية، والسلوكيات الإجرامية والخطابات الطائفية.
أيضًا، هناك حاجة إلى أن تدرك الحكومات الغربية أن نضال التيار الرئيسي للمعارضة ضد الجهاديين والنظام لا ينفصل عن بعضه البعض. وفي سبيل الحصول على مكاسب في الحرب ضد النظام والجهاديين، ينبغي تقديم الدعم الخارجي الذي يمكنّهم من القيام بتلك المهمة.
للتخفيف من مخاطر التحريض على مكافحة التصعيد أو تأجيج آمال المعارضة في تحقيق نصر عسكري واضح، يجب على واشنطن أن تؤكد بوضوح على استعدادها للتفاوض على حل مستدام يُنهي حكم بشار الأسد ولكن بما في ذلك: حفظ وإصلاح مؤسسات الدولة، ضمانات أمنية صعبة لجميع الطوائف، ترتيبات أمنية لامركزية من شأنها تمكين السكان المحليين للعب دور قيادي في حماية أنفسهم، وتحديد المسؤوليات من خلال الأحكام الدستورية التي تعترف بدولة سورية تعددية حديثة.
ومع الأخذ في الاعتبار حجم النفوذ الإيراني على أرض الواقع، يجب أن يتم إدراجها في هذه المفاوضات. من جانبها، سيكون على طهران القبول بشيء أقل مما حظيت به في السابق، ونعني هنا التأثير منقطع النظير على الدولة السورية ضمن “محور المقاومة” الخاص بها. بالإضافة إلى التفاوض لتأمين ما يتطلبه جدول أعمال سياستها الخارجية.
وبالمثل، يمكن لداعمي المعارضة الإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، أن يحققوا هدفهم الرئيسي المشترك في سوريا من خلال تقديم تنازلات بشأن الأولويات التي يفتقرون القدرة على تحقيقها في الوقت الراهن. هم أكثر عرضة للفوز بمرحلة انتقالية تشمل رحيل الأسد إذا ما وافقوا على دعم الترتيبات الأمنية اللامركزية، والقبول بأن سورية ستكون دولة غير منحازة لأي طرف. دولة مستقلة عن أي محور سني سعودي تركي.
إن النفوذ التركي القوي على المعارضة هو أمر أساسي لتغيير التوازن داخل جماعات المتمردين وفي نهاية المطاف لضمان حل سياسي. يجب أيضًا أن تؤخذ المصالح التركية الجوهرية بعين الاعتبار: دولة سورية قادرة وعلى استعداد للمساعدة في احتواء الجماعات المسلحة التي تعمل حاليًا في تركيا، وكذا في حماية الحدود، هذا بالإضافة إلى عودة ما يقرب من مليون لاجئ سوري يقيمون حاليًا على الأراضي التركية وأن يتم إدراج الأغلبية الكردية التي تتمركز في المناطق الشمالية السورية ضمن التعددية السياسية في البلاد.
بالنسبة لروسيا، فإن قرارًا حقيقيًا في سوريا من شأنه أن يعزز مكانتها الدولية. والتصدي بشكل أفضل لتهديد الجهاديين وزيادة نفوذها على شروط الاتفاق في نهاية المطاف، وأخيرًا، الحفاظ على مكونات الدولة السورية التي تحظى بعلاقات استثمارية مع موسكو، لا سيما القوات المسلحة.
يمكن للحكومات الأوروبية أن تُضعف التهديد الجهادي المزدوج في الداخل السوري والهجرة اليائسة من خلال تطبيق سياسة خارجية أكثر فعالية لا تثير الانقسامات: المساعدات الإنسانية. وهذا يتطلب، أولًا وقبل كل شيء، المزيد من المال والتنسيق الأفضل للبرامج التي تخدم 12 مليون شخص في حاجة للمساعدة داخل سوريا وحوالي أربعة ملايين سوري لجؤوا إلى دول الجوار.
الأولويات تشمل كذلك الضغط على دمشق للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وإزالة العقبات الإدارية التي تعرقل تسليم المساعدات في أماكن أخرى، وزيادة التمويل لمعالجة أوجه القصور في برامج الأمم المتحدة لدعم اللاجئين مع زيادة مساعدات التنمية للبلدان المجاورة التي تتحمل أعباء أزمة اللاجئين.