“الحرب الأهلية”… حجَة أمريكا والغرب لمنح بشار الأسد الشرعية

قـــراءة فــي الـصحـف
قالت صحيفة الـ “واشنطن بوست” الأمريكية، إنه خلال الأعوام الخمسة الماضية تحوّلت سوريا إلى واجهة “خلقت العديد من المشاكل، من بينها”: أزمة اللاجئين، مستنقع إقليمي، كابوس غربي، ساحة تكتيكات تهدف إلى تعزيز النفوذ الروسي، وقاعدة جوهرية للمطامع الإيرانية.
إلا أن المجتمع الدولي يعتبرها حرباً أهلية. فكلٌّ من الأمم المتحدة والحكومات الغربية ووسائل الإعلام والاتحاد الأوروبي يطلق هذه التسمية على النزاع السوري. وفي كانون الأول/ديسمبر 2015، شدّد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على أهمية “وضع حدٍّ للحرب الأهلية في البلاد”، وفي أيلول/سبتمبر هذا العام نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً تفسيرياً طويلاً عن النزاع أجيب فيه على عدة أسئلة من بينها “ما هي الحرب الأهلية السورية؟”
إلا أن هذه التبسيطات غير دقيقة وتحفل بالخطورة. فهي تعفي المجتمع الدولي من المسؤولية، وتمنح بشار الأسد غطاءً من الشرعية. كما تبرّئ ذمة روسيا وإيران اللتين ينخرط جنودهما بفاعلية في الصراع.
ليس هناك شك في أن الحرب الأهلية هي إحدى الطبقات المتعددة التي يتصف بها النزاع السوري. فالفصائل المحلية تقاتل إحداها الأخرى، ولكن الحقيقة هي أن هذه حرب يشنّها نظام الأسد وحلفاؤه على الشعب السوري.
وهذا أمرٌ نلمسه في العنف الذي يمارَس. فقد أفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن قوات الأسد قتلت 95 في المائة من الضحايا السوريين. بالإضافة إلى ذلك، يسيطر الأسد على الجيش بما في ذلك الدبابات والطائرات والبراميل المتفجرة. وقد قام بقصف المناطق التي شهدت تظاهرات سلمية، واستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. كما يسيطر الأسد على أجهزة المخابرات والأمن والجيش التي تعمل بجد وبشكل منهجي منذ عام 2011 لاعتقال وتعذيب وقتل جميع الناشطين السلميين.
كما أنه من الصعب تفسير الادعاء بأن هذه هي حرب أهلية على ضوء التدخل الخارجي الهائل. فحيث واجه الأسد مقاومة قوية من جماعات المعارضة المسلحة، سمح لكل من إيران وروسيا بدخول أراضيه لمساعدته ودعم نظامه على الصمود.
وفي الواقع أن جيش الأسد بالكاد يقاتل هذه الأيام، إذ تتألف معظم القوات المقاتلة على الأرض من الميليشيات الشيعية، مع بعض الكتائب من «الجيش العربي السوري» – وجميعها تخضع لإمرة «حزب الله» و«الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وتحصل على مساعدة من القصف الجوي الروسي.
ولولا إيران وروسيا لكان الأسد قد رحل منذ زمن بعيد. فكيف يمكننا أن نُطلق على هذا الصراع حرباً أهلية عندما نادراً ما تقاتل المعارضة السورية الموالين السوريين للنظام بل تخوض عملياتها بوجه مقاتلين أجانب في بلدها؟ هل تكون هذه الحرب أهلية عندما تكون روسيا وإيران والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وغيرها من دول حلف “الناتو” منخرطة فيها بشكلٍ أو بآخر؟
إنّ وصف هذا الصراع بالحرب الأهلية له تداعيات خطيرة على السياسات، حيث يؤمن الحماية للأسد. وإذا كان من المنطقي وصف الأسد بالديكتاتور المقيت، فهو يبقى مع ذلك رجلاً يحافظ على الاستقرار.
إن ذلك يعطي الانطباع أيضاً بأن هذا النزاع محلي، الأمر الذي يتيح للقوى الغربية والمنظمات الدولية عدم الانحياز لجهة أو لأخرى. ونتيجةً لهذا الجمود، شهد العالم [إشعال شرارة] هجرة جماعية للاجئين السوريين، وسحق الجهود الأمريكية على يد روسيا وإيران، وشن هجمات إرهابية في مدن أوروبية.
وتنطوي مساواة القاتل بالضحية على تحدٍّ أخلاقي يشرّع في نهاية المطاف الجرائم التي يرتكبها النظام ضد الإنسانية. وتؤدي كذلك إلى تحجيم تاريخ سوريا الحديث الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة حيث رفض حزب البعث كما رفضت العائلة الحاكمة في النهاية السماح لأي فريق آخر في سوريا بالمشاركة في الحياة السياسية. ولطالما لجأ هذا النظام إلى الحلول العسكرية ولم يختار قط المفاوضات بدلاً من العنف.
واليوم، مع تولي إيران قيادة المعارك في سوريا وقيام روسيا بإجراء مفاوضات مع المجتمع الدولي حول مستقبل سوريا، لم يبقَ من هذا النظام سوى صورة لا حاجة لها إلا للحفاظ على مصالح دول أخرى.
هذه ليست حرباً أهلية. ولن نتمكن من فهم تاريخ واستراتيجية النظام، والطبقات المختلفة من الشعب السوري، ومصالح الأطراف المتدخلة بالفعل في الصراع الجاري في تلك البلاد، ولا أهمية المساءلة، إلاّ عندما نتوقف عن تسمية النزاع بالحرب الأهلية.
 
 
المركز الصحفي السوري _ صحف

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist