العرب محمد الحمامصي | ||||||||
هل نفهم الثورة السورية بذاتها، أو نفهمها عبر انعكاسها الخارجي ومواقف القوى الخارجية منها؟ هل نفهمها كنتاج تكوين اقتصادي طبقي داخلي، أو كانعكاس لسياسات الآخرين، وللأوضاع الدولية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، نشر المفكر والكاتب الفلسطيني سلامة كيلة مؤخرا كتابا بعنوان “التراجيديا السورية: الثورة وأعداؤها”، وهو مؤلف يأتي في سياق سلسلة مؤلفات كيلة حول الثورة السورية، والتي تبحث في مسألة “الصراع الطبقي في سوريا وسيرورة الثورة” والصادرة عن دار منشورات المتوسط ومقرها ميلانو بإيطاليا. المسألة الطبقية داخل مكونات الثورة السورية هي المحدد الأول والرئيسي لتكوين مسار الثورة السورية ورسم أهدافها على المدى البعيد. ويوضح سلامة كيلة كيفية أن المحدد الاقتصادي السوري قد أثر على تبني الرأي العام لموقف التغيير الشامل، أي الثورة، قائلا “بدأت السلطة في الميل لاتّباع المسار الاقتصادي الذي سارت فيه مصر والعديد من البلدان العربية، منذ نهاية ثمانينات القرن العشرين (بتعيين محمد العمادي وزيرا للاقتصاد في وزارة محمود الزعبي)”. ويتابع “وكان هذا المسار هو الانقلاب على المسار الاقتصادي الذي أتت به نظم التحرر، وأدى إلى تحقيق تطور معقول في الإنتاج والبنية الاقتصادية، وخدم قطاعا كبيرا من الشعب، من خلال قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم وبناء الصناعة والتوظيف والحقوق التي حصل عليها العمال والتعليم المجاني. وانطلق هذا الانقلاب من تخلّي الدولة عن الدور الذي لعبته في المرحلة السابقة، وكان في أساس النهوض الاقتصادي، بتعميم سياسة التحرير الاقتصادي، والاعتماد على الاستيراد وفتح السوق للرأسمال الأجنبي؛ لكي يوظف دون قيود، أو ضرائب”.
هذه التحولات الاقتصادية التي يسميها كيلة “انقلابا” على المنظومة القديمة التي كانت أميل إلى العدالة الاجتماعية، فتحت الباب أمام المعضلة الكبرى التي أججت الشعور بالحنق الاجتماعي والتمييز والمتمثلة في الفساد. ويفصّل سلامة كيلة في كتابه “التراجيديا السورية: الثورة وأعداؤها” أنه مع موت حافظ الأسد سنة 2000، كان الاقتصاد السوري في الإنعاش، والفساد قد استشرى، والنهب قد عمّ البلد، وتشكّلت فئات تريد قضم كل شيء. وكان واضحا أنه يجب نهب ما تبقّى من القطاع العام، والتحكّم في الاقتصاد. هذا الأمر تحقّق بعد استلام بشار الأسد السلطة. فالاقتصاد كان بحاجة إلى حلول، والضواري كانت تنتظر اللحظة التي تسمح لها فيها بالسيطرة على الاقتصاد. ويضيف “في زمن حافظ الأسد كان آل الأسد هم الذين ينشطون في مجالات الاقتصاد، لكنْ؛ الاقتصاد الأسود.. من خلال العلاقة مع المافيات الدولية، كان مجيء بشار الأسد إلى السلطة هو الذي أبرز آل مخلوف كقوة اقتصادية مسيطرة. لقد نشط محمد مخلوف في نهب شركة التبغ (الريجي)، ثم البنك العقاري، وراكم الثروة خلال فترة الأسد الأب، لكن هذه الثروة باتت هي المدخل لدور اقتصادي مختلف؛ حيث جرى التحوّل إلى النشاط الاقتصادي القانوني، وبدأت عملية السيطرة على الاقتصاد بدءا بالمشاريع الاقتصادية الجديدة، والتي تدرّ ربحا كبيرا (شركات الخليوي)، أو السيطرة على الأسواق الحرة، والبدء بمشاريع خدمية وسياحية، ومحاولة السيطرة على وكالات شركات السيارات ووكالات الشركات النفطية الأميركية وغيرها، إلى النشاط العقاري”. ثم يبيّن “هذه العملية ارتبطت بفرض سياسة اقتصادية جديدة، تقوم على تحرير الأسواق، وتصفية القطاع العام، وإنهاء دعم الدولة للسلع والخدمات والتعليم. وهي العملية التي أدّت إلى انتصار اللبرلة سنة 2007 بتحرير أسعار السلع والخدمات، وتقرير حرية التجارة، وإنهاء الصناعة التابعة للقطاع العام”. ويواصل كيلة تفسيره للوضع الاقتصادي المتردي الذي أدى إلى مراكمة الشعور بضرورة التغيير، وربما لا يسع المجال لذكر كامل التفسير، لكنه خلص في الأخير إلى أن طمع الأسرة التي في السلطة أو الأسر المقربة منها في الثروة الوطنية وارتباطها بشبكات الفساد العالمية كان انعكاسه في الشارع هو التفكير في صناعة فرصة للتغيير إلى أن جاء الربيع العربي. ومن هذا المنطلق، يؤكد سلامة كيلة أن نجاح الثورة السورية في سياق أنها ثورة طبقية تأججت بعد مراكمة لإحساس عام بالضيم والتمييز واللاعدالة، ساهم في تحويل نظرة العالم إلى السياسات داخل الدول بشكل يعيد طرح مراجعات في المنظومات الاقتصادية العالمية التي تشجع بشكل أو بآخر على فساد أنظمة هشة ودكتاتورية مثل النظام السوري. ويشير كيلة إلى أن “الثورة في سوريا لم تكن في يوم طائفية، إنما طبقية، والإشكال الذي تعانيه هو أنها دون نخبة حقيقية ناضجة، بل وقودها شباب يتدرب على الثورة في مواجهة قوى قمع داخلية وقوى دولية تبحث عن إطالة أمد الحرب للاستفادة”.
|
||||||||