للثقافة أثرها في أوجه نمو الأطفال المختلفة، كالنمو العقلي والانفعالي والحركي والاجتماعي. وهذا التأثير لا يتخذ نسبا واحدة بل تتباين إلى حد كبير. فالبيئة الثقافية لا تؤثر في النمو الجسمي إلا في نطاق محدود، بينما تؤثر تأثيراً كبيراً في النمو الانفعالي والاجتماعي.
ففي مجال النمو العقلي الذي يتمثل في الذكاء وكفاية العمليات العقلية، كالإدراك والتصور والتخيل والتفكير، ونمو اللغة، يمكن التدليل على أثر الثقافة فيها من خلال الإشارة إلى ما نفعله في هذه الجوانب. فالذكاء الذي يرتبط بالنجاح في التكيف مع البيئة الطبيعية والثقافية، والذي يقاس عادةً بالقدرة على حل المشكلات، أو بقياس ما لدى الطفل من مهارات ترتبط في الوقت نفسه بما يتعلمه الإنسان من بيئته الثقافية.
فالبيئة الثقافية تشكل عاملا من عوامل إنضاج ذكاء الطفل وعملياته العقلية أو عامل كبت لها.
وفي مجال النمو الانفعالي الذي يعنى بمستويات النضج المتمثلة في قدرة الطفل على استخدام انفعالاته استخداما بنَاء، فإن الثقافة تلعب دورها الكبير في ذلك.
فالانفعالات هي ظواهر نفسية اعتيادية، ولكنها تميل إلى الانحراف عندما تتحول إلى ما يسمى بالاضطراب الانفعالي عندما تؤول الاستجابات إلى ما هو غير متناسق، أو عندما تؤدي بالطفل إلى أن يسلك سلوكا انفعاليا ضارَاً بنفسه أو بالآخرين.
أما بالنسبة إلى علاقة الثقافة بالنمو الاجتماعي للطفل فيمكن القول، إنه مادام الطفل يحيا في ثقافة هي بيئة اجتماعية قوامها الوحدات الاجتماعية الأولية المتمثلة بالأسرة والجيران وجماعات اللعب والوحدات الاجتماعية الثانوية المتمثلة بالمدرسة وغيرها من تنظيمات المجتمع، فإن الطفل يتفاعل مع مفردات هذه الوحدات ويكتسب بعض عاداتها وقيمها ومعاييرها وأفكارها وأوجه سلوكها الأخرى، مما ينقله إلى كائن اجتماعي.
بقي أن نشير إلى علاقة الثقافة بالنمو الحركي.. وهذا النوع من النمو يتدرج من الحركات البسيطة الاعتباطية مروراً بالقبض على الأشياء والمشي وانتهاء بالحركات القوية والسريعة والمتوافقة.
وتعتمد سيطرة الطفل على حركاته، على مدى نضجه الجسمي وما يكسبه من مهارات حركية، لذا فإن دور الحضانة والروضات والمدارس كوحدات في البيئة الثقافية، تعمل على توجيه أنشطة الأطفال الحركية من خلال تريب وإثارة دوافعهم إلى الحركات المنظمة.
وتنمية قدرة الأطفال ذات أثر كبير في حياتهم وفي حياة المجتمع، فقد كان لقدرة الإنسان على تكييف حركات أطرافه وأعضاء جسمه الأخرى دورا كبيرا في إنتاجه الكثير من المعالم الثقافية.
وعلى هذا كله فإن للثقافة دورها الكبير في نمو الأطفال عقلياً من خلال تأثر النشاط العقلي بما يستمده الطفل من البيئة الثقافية، وفي نموهم عاطفياً وانفعالياً من خلال تنمية استجاباتهم للمؤثرات المختلفة وإكسابهم الميول والاتجاهات وطرق التعبير عن انفعالاتهم، وفي نموهم حركياً من خلال تنظيم حركاتهم ونشاطاتهم ومهاراتهم، وينطوي ذلك كله على بناء شخصياتهم وتحديد سلوكهم.
محمد نور الأسود
عالم الطفولة