لا معنى الآن لكل هذا العويل الأميركي حول حلب وقد بات من الواضح أنها بوابة تقسيم سوريا، التي لم يعد في وسع أحد إعادتها الى وحدتها، فلا النظام قادر على إستعادة سيطرته ولا المعارضة قادرة على إسقاطه، ولا أميركا وروسيا ترغبان أو تتفقان على صيغة الحل السياسي، لهذا بات التقسيم واقعاً!
هل كان من الضروري ان يقول رئيس وكالة الإستخبارات الأميركية جون برينان إنه يشعر بالقلق على سلامة الأراضي السورية ووحدتها، وإنه غير متفائل بمستقبل سوريا، لأنه لا يستطيع ان يجزم بما اذا كانت ستظلّ موحدة أم أنها ستتعرض للتقسيم، لكي يرتفع هذا الدوي من التصريحات حول مستقبل سوريا المشظّى؟
وهل كان من الضروري ان يبالغ جون كيري في القلق من تطورات حلب و”تمثيل” دور الزوج المخدوع من سيرغي لافروف، حيث بدت واشنطن كأنها باتت على الهامش، الى درجة انها ليست قادرة على أكثر من تِعداد الممرات التي يفتحها الروس في المدينة، التي تمكّن النظام بدعم من موسكو وطهران من إحكام حصارها تمهيداً لإخراج ٢٥٠ ألفاً من أهلها؟
واشنطن لم تتردد في الإعراب عن خوفها من ان تكون المناشير التي تدعو الحلبيّين الى الرحيل، محاولة لإفراغ المدينة من سكانها تمهيداً لإجتياحها وتغيير تركيبتها الديموغرافية، في حين تقول المعارضة إنها خطة تهجير قسري ترقى الى جرائم الحرب وتصب في سياق مخطط تقسيم سوريا، لأن خط حمص – حلب يرسم الحدّ الفاصل جغرافياً بين السهل السني وجبال العلويين، والذي سيتحول حدوداً لدولة الساحل.
لست أدري لماذا يذرف جون كيري الدموع تقريباً، عندما يتحدث فعلاً وكأنه وزير خارجية إحدى دول الموز، فلقد كشف شاكياً أنه تهافت على الحديث مرتين مع موسكو في ٢٤ ساعة، عقب محادثاته في لاوس مع لافروف، والأكثر غرابة انه يقول “اذا كانت قصة المعابر لإفراغ حلب خدعة فهناك خطر أن تنسف تماماً مستوى التعاون القائم بين واشنطن وموسكو… واذا إستطعنا ان نفهم تماماً ما يجري وان نتوصل الى إتفاق على المستقبل فيمكن هذا ان يفتح آفاقاً”!
هل صحيح فعلاً ان واشنطن غير قادرة على فهم ما يجري تماماً، وكأن كيري لم يقرأ تصريح جون برينان عن تقسيم سوريا، أو لكأن فلاديمير بوتين يتصبب عرقاً خوفاً من نسف التعاون القائم مع واشنطن، أو أنه يسوّق موقفاً في سياق التعمية على رهان واشنطن العميق على تقسيم سوريا ولكن ليبدو بوتين متعهّداً تنفيذ الشرور التي صاغتها واشنطن وهي الآن تصطنع الإعتراض؟
يا سيدي، إذا كان الروس في حلب يرسّخون الدولة العلوية، فماذا يفعل الأميركيون في منبج غير ترسيخ الدولة الكردية، ومن الذي يتذكّر الرقة الآن؟
النهار