أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم الأربعاء 21 أيار (مايو) تقريرها السنوي الرابع عشر منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار (مارس) 2011، والذي رصد حالة حقوق الإنسان في سوريا عام 2024. وتناول التقرير، الذي حمل عنوان “سقوط نظام الأسد: استعادة الانتهاكات وآفاق المحاسبة”، أبرز الانتهاكات التي وثقتها الشبكة، مشيرًا إلى أن جميع أطراف النزاع ارتكبت انتهاكات جسيمة، إلا أن نظام بشار الأسد، بدعم من حليفيه روسيا وإيران، كان مسؤولاً عن 90% من هذه الانتهاكات، بعضها يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. ويقدم التقرير تحليلًا شاملًا لحالة حقوق الإنسان في سوريا عام 2024، ويسلط الضوء على الانتهاكات المستمرة والقضايا الرئيسية التي لا تزال تؤثر على الشعب السوري.
استمرار الانتهاكات
شهد العام 2024 استمرار الانتهاكات بحق المدنيين في مختلف أنحاء سوريا، أبرزها:
– الخسائر في صفوف المدنيين والهجمات المستهدفة : أدت الغارات الجوية والهجمات البرية على المناطق السكنية إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
– الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي : ظلت هذه الممارسات أداة قمع أساسية تستخدمها جميع أطراف النزاع، مما تسبب في معاناة نفسية وجسدية هائلة لأسر المختفين، الذين يعيشون في قلق دائم على مصير أحبائهم.
– التعذيب : وثق التقرير حالات عديدة من الوفاة تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز، مما يعكس ثقافة ممنهجة من الخوف والقمع.
– الهجمات على المرافق الحيوية : تسببت الهجمات على البنية التحتية المدنية في دمار واسع النطاق وحرمت ملايين السوريين من الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية، مما أدى إلى تفاقم الفوضى الاجتماعية.
سقوط نظام بشار الأسد
كان سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 الحدث الأبرز في ذلك العام. جاء ذلك عقب انطلاق عملية ردع العدوان في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) لاستعادة المناطق التي كانت تحت سيطرته. ورغم انهيارها، ارتكب النظام وحلفاؤه انتهاكات جسيمة في محاولاتهم للتصدي للعملية العسكرية. أبرزها:
– الهجمات العشوائية : أدت إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين وتدمير المرافق الحيوية.
– الاعتقالات الجماعية والتجنيد الإجباري : حيث كان يتم نقل الشباب إلى جبهات القتال فور اعتقالهم.
– استخدام الأسلحة العشوائية : مثل البراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، والأجهزة الحارقة، مما يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
الكارثة الإنسانية بعد سقوط النظام
مع سقوط النظام، برزت أزمة المختفين قسرًا كإحدى أخطر الكوارث الوطنية. ورغم إطلاق سراح آلاف المعتقلين في الأسابيع الأخيرة من عام ٢٠٢٤، لايزال نحو ١١٢ ألف مواطن سوري في عداد المختفين قسرًا منذ عام ٢٠١١، ما يعني أن مئات الآلاف من العائلات تعيش على أمل العثور على أحبائها.
أدى تداول الشائعات حول وجود مراكز احتجاز سرية، وتوافد الأهالي والنشطاء إليها، إلى التلاعب بمسارح الجرائم وإتلاف الأدلة الجنائية. وتُكرّس فلسفة الإخفاء القسري المعاناة النفسية والجسدية لأهالي الضحايا من خلال نشر الشائعات بشكل ممنهج وخلق البلبلة. وترى الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن حماية هذه المواقع وحفظ أدلتها كان ينبغي أن تكون أولوية قصوى بعد تحريرها.
التحولات بعد سقوط النظام
وللمرة الأولى منذ عام 2011، تمكنت لجنة التحقيق الدولية المستقلة من دخول الأراضي السورية، وبدأت فرق من الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، إلى جانب مؤسسة الأشخاص المفقودين، عملها داخل البلاد.
رسالة التقرير
يُشكّل التقرير وثيقةً تاريخيةً تُوثّق حجم الانتهاكات التي تعرّض لها الشعب السوري، وشاهدًا على صموده وإصراره على تحقيق العدالة والكرامة والحرية. وتؤكد نتائجه الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون من أجل مطالبهم المشروعة. وبينما يستمر توثيق الانتهاكات وكشف مرتكبيها، يبقى الهدف الأساسي محاسبة المتورطين، لا سيما المتورطين في جرائم ضد الإنسانية، وضمان عدم عودة رموز النظام السابق إلى الإدارة السورية الجديدة، تمهيدًا لبناء سوريا ديمقراطية تحتضن جميع أبنائها.
وقال المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني:
يأتي هذا التقرير في لحظة تاريخية مفصلية، شهدت سقوط نظام الأسد، أحد أكثر الأنظمة وحشية في تاريخ سوريا والمنطقة، مخلفًا وراءه إرثًا ثقيلًا من المعاناة وملايين الضحايا. في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، نؤمن بأن العدالة والمساءلة ليسا مجرد خيار، بل ضرورة أساسية لتحقيق السلم الأهلي وبناء سوريا جديدة. لذلك، ندعو إلى عملية عدالة انتقالية شاملة تُنصف جميع الضحايا وتضع حدًا للإفلات من العقاب. نحن بحاجة إلى دعم دولي عاجل ودعم من الأمم المتحدة لإتمام هذه العملية المعقدة. هذه دعوة صادقة لكل من يؤمن بسوريا مستقرة ومزدهرة قائمة على عدالة الضحايا ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.