سنوات وصفت بالعجاف عاشها أهالي الغوطة المحاصرة من قبل النظام منذ أكثر من ثلاث سنوات، جوع، حصار، وفقر كلمات توصف السوري في ريف دمشق.
“يا بشار .. رح نحاربك بالعلم والسلاح” كلمات نطقت بها سماح ذات ال17عاماً، الطفلة التي بدأت الحياة تنبض داخلها بعد عودتها للمدرسة، المدرسة الوحيدة الناجية من القصف والمدافع، رغم الدمار والحصار إلا أن فرحة الأطفال بصفوفهم لا يمكن وصفها.
يذكر أن النظام عمد على تدمير المؤسسات التعليمية من خلال تكثيف الغارات الجوية على أماكن تواجدها، فأكثر من 20 مدرسة خرجت من الخدمة بسبب القصف، فيما تعرضت البقية لدمار جزئي.
عادت سماح للمدرسة ولرفاقها، والسبب يعود للسكان المحاولين غرس الأمل في أجيال المستقبل والذي جرفته آليات النظام، فعمدت المعارضة إلى إطلاق خطة طوارئ للتعليم بهدف التخفيف من آثار حملة النظام على المدارس والمؤسسات التعليمية.
“صحيح أن المدرسة داخل قبو بناء، إلا أنني سعيدة بوجودي بين رفاقي، بالرغم من قرار تخفيض ساعات التعليم إلى النصف وتحول التعليم إلى المواد الرئيسية، إلا أنني اشتقت للرسم، حين تصف لنا المعلمة موضوع الربيع لنرسمه في أذهاننا ثم على الورق”.
لكن رغم هذا إلا أن الموت يحيط بالأطفال من كل جانب، فطائرات النظام حالت دون وصول أكثر من 24 طفلاً للمدرسة بحسب تنسيقيات الثورة، بل عادوا إلى منازلهم غارقين بدمائهم ليلاقوا مصير من سبقهم بعد طول معاناة.
رغم أن الأمل يكبر شيئاً فشيئاً إلا أن القدر يقضي بعدم اكتمال البسمة على وجه الطفل السوري، تقول سماح: ” رغم محبتي للمدرسة، إلا أن أصوات القذائف التي لا تفارق أذني أبعدت الانتباه وأعاقت التركيز خلال الحصة”.
في الاجتماع الصباحي تبدأ القلوب الصغيرة بالخفقان بسرعة، لم يكن هدير الطائرة هو السبب، بل كان التفقد اليومي للطلاب، تقول سماح: “عند السؤال عن غياب رفيقتي لا أجد جواباً مناسباً، أأقول ماتت؟ّ! أم أكتف بدموع خوف يتخللها قلق”.
لم أتخيل يوماً أن أرتدي نظارات طبية، لكن الدراسة على ضوء الشموع فرضت علينا ذلك، ففي النهار انشغال بتأمين الماء والخبز، وليل بدون كهرباء، فغياب دام عامين أنساني اسمها حتى.
يذكر أن عدد الأسر المحاصرة داخل الغوطة حوال 155 ألف أسرة، فيما تبلغ عدد الأسر النازحة داخلها حوالي 20 ألف أسرة.
فرص المستقبل الزاهر الذي رسمه الأطفال بدأ يُمحى يوماً بعد يوم، لقد دفع أطفال الغوطة أثمان باهظة لم يدفعها أحد من السوريين، أيتام، مشردون، نقص حاد في التغذية هذه هي حياة الأطفال.
يذكر أن عدد الأطفال الذين فقدوا ذويهم أو أحد آبائهم بلغ 12.5ألف طفل حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بينما بلغ عدد المشردين 13.6 ألف طفل، كل ذلك دفع بالآلاف للتخلي عن المدرسة.
تقول سماح: “تشهد مقاعد المدرسة والحصص الدراسية حالات تسرب كثيرة، كان من أبرز أسبابها الفقر والمرض وتحول الكثير من الأطفال إلى المهن والأعمال البسيطة في الشوارع وضعف الرقابة عليهم، حيث تنتشر الأمراض والحالات النفسية مثل الخوف الشديد والتبول اللاإرادي والاكتئاب”.
يذكر أن المكاتب الطبية أشارت إلى انتشار كبير لحالات إغماء الأطفال وخاصة طلاب المدارس وتكررها بسبب انتشار واسع لأمراض سوء التغذية فيما بلغ عدد الأطفال الذين ماتوا نتيجة الحصار على الغوطة 1178 طفل بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
لم يكن نقص الكوادر والكتب التعليمية هو المعوق الأساسي الذي يقف عائقاً في إكمال الأطفال لحياتهم، فتلك أمور لم تعد ضرورية أمام المعاناة التي يعيشها الأطفال، يقول البعض: لو أن الأسد تنحى عن منصبه مباشرةً أكانت البلاد دمرت؟
المركز الصحفي السوري ـ سائر الإدلبي