أسباب الحزن لدى الناس عديدة أقساها فقدان الابن، تخالطها مشاعر الإحساس بالوحدة والاكتئاب والإحباط وترافقها آلام القلوب والوجع والقهر من هول الصدمة والفقد، فالموت يطفئ ما تضيئه الحياة، ووراء انطفائه ظلمات، ليكون حجم الفراق بحجم المجرة.
ولكن مع ذلك فإن الموتى سيبقون حاضرين في قلب من أحبوهم وذاكرتهم، فلا يوجد هناك قسوة أكثر من أن نفارق من نحبهم، فيكون خبر وفاتهم مثل صاعقة تهشم روحنا ولانستطيع أن نعود كما كنا من قبل.
فالموت مفجع ويترك ألما لا يمحى مع الزمن، ولايبقى لدينا إلا ذكرياتنا مع من فارقونا والدعاء لهم بالرحمة ..
وسط جو من القهر والوجع ونحيب قلب أدمت الجراح ثناياه، ومشاعر مختلطة بين الأسى والحزن، تصرخ أم جابر المرأة الأربعينية، والدمع ينهمر من عينيها، بعد وفاة ابنها جابر إثر حادث على طريق بلدة الجانودية صيف عام 2017: “ليش رحت بسرعة والله بكير ياروحي “، تفتقد أم جابر ابنها الشاب العشريني بميزاته اللطيفة وعينيه البنيتان وشعره الأسود.
فتبكي بلا صوت وتشتعل في صدرها النيران بلا لهب، وقودها الذكرى وفتيلها لحظات أنهت حياة ابنها، لتقتل بموته كل معاني الفرح في قلبها.
الحياة مليئة بالسعادة والشقاء وأم جابر تجرعت القهر وأحرقها لهيبه بفقدان فلذة كبدها، فهي لاتصدق موت ابنها، فبرحيله لم يبقَ لها سوى ذكرى من ألم يملأ قلبها، في لحظات نسجت من الغم والعذاب.
تتابع أم جابر حديثها فتقول “البيت بغياب جابر متل القبر اسود حزين ”
فليل الأيام في غياب جابر يقتل روحها المحطمة لتنسكب دموعها وتحترق مشاعرها، بعد أن كان صدى صوته يعم المكان، فيترك في خفايا الفؤاد حزنا وشوقا، وكأنه العبير يضفي على البيت الشذى والجمال.
تمسك ثيابه وتضمها إلى صدرها، تتلمس بأطراف أصابعها صورته، لعلها تطفئ لوعة الشوق في فؤادها، وتبرد لهيب الحرمان.. لكن عبثا، فالهموم كبلت صدرها بالأحزان.
وتبقى الآهات تمزق كيانها ك رحىً تطحن ماتبقى من هشيم وجودها، بحرمانها من فلذة كبدها ،تبكي وتبكي أم جابر بعينين مفتوحتين بلا حراك، وجسد نحيل، لعل ذلك يخفف وطأة ماحدث ويطفئ نار صدرها المغموم .
المستقبل لم يعد مهما بالنسبة لأم جابر، فقد أعلنت وفاتها برحيل ابنها، فموت جابر أمات ذاتها وأشعل في جوفها لهيب الشوق والأسى، فصورته تداعب عينيها وتسكن في خيالها الواقعي كما أن صدى صوته لايزال يتردد على مسامعها، تناديه دون جدوى لكنه مستقر في حنايا قلبها في مروج ذكرياتها التي لم يزدها مع مرور الأيام سوى الحنين.
فهو الشمعة التي كانت تضيء حياتها التي توالت من بعده دون فرح، فآثار اللحظات التي جمعتها به باقية في كل ركن من أركان روحها، تعصف فؤادها تتعب عينيها حتى أصبحت أسيرة الألم والعذاب .
أصبحت حياة أم جابر متشحة بالبؤس، ماعادت تقوى رغم إيمانها بقضاء الله وقدره، فلا تجد لنفسها عزاءً سوى البكاء والدعاء.
تحقق أم جابر حلم ابنها بعد عدة سنوات، بأن يكون هناك مكانا مخصصا لرعاية الأطفال الذين يعانون من التوحد، لسبب أن ابنته تعاني من هذه الحالة، وتتابع مع مختصين رعايتهم والاهتمام بهم وتقديم كل العون لهم، وتنجح في تحقيق الهدف الذي طالما سعى إليه جابر بعد تخرجه من قسم الارشاد النفسي ..
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع