أعلن رئيس مجلس الشعب لدى النظام السوري فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وذلك بجلسة مجلس الشعب المنعقدة بتاريخ 18/4/2021 وذلك وفقا للفقرة الأولى من المادة /85/ من الدستور السوري على أن يقدم طلب الترشح إلى المحكمة الدستورية العليا وفق الفقرة الثانية من نفس المادة وخلال مدة عشرة أيام تبدأ من 19 نيسان 2021 حتى نهاية دوام الـ 28 من ذات الشهر.
وحدد أيضا مواعيد الاقتراع للسوريين المقيمين في الخارج 20 أيار 2021 وللسوريين المقيمين على الأراضي السورية في 26 أيار 2021.
يأتي هذا الإعلان بعد عشر سنوات من انطلاقة الثورة السورية وتعقد مشهد الصراع والسيطرة على الأراضي السورية حيث يفقد النظام السورية سيطرته وسيادته على أكثر من 40% من مساحة سويا ووجود عدة جيوش وقواعد عسكرية أجنبية على الأراضي السورية وأكثر من نصف الشعب السوري ما بين نازح ولاجئ وانهيار اقتصادي تام يعاني منه النظام. وتدمير واسع النطاق في الممتلكات الفردية والعامة حيث قدرت تكلفة إعادة البناء بأكثر من 400 مليار دولار واستمرار حالة العزلة الدبلوماسية والسياسية للنظام السوري التي بدأت منذ 2011 ولا زالت مستمرة حتى الآن. ويترافق ذلك مع تعثر مسار الحل السياسي للصراع في سوريا بين أقدام مصالح الدول الأجنبية وتعنت النظام السوري بموقفه ومن خلفه روسيا.
ويعتبر إعلان هذه الانتخابات تجاوزا وتجاهلا للجهود الدولية والأممية لإيجاد حل سياسي ينهي الصراع في سوريا وخصوصا بيان جنيف عام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 عام 2015
وتم هذا الإعلان وفقا للدستور السوري النافذ والصادر عام 2012 والذي تم تفصيله من قبل النظام الحاكم كوسيلة يشرعن من خلالها تصرفاته وأعماله فما هي وجهة نظر هذا الدستور للترشح وانتخاب رئيس الجمهورية؟
حددت المادة /84/ الشروط للترشح الى منصب رئيس الجمهورية وهي:
1- أن يكون متماً الأربعين عاماً من عمره.
2- أن يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة، من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة.
3- أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره.
4- ألا يكون متزوجاً من غير سورية.
5- أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح.
ونجد من خلال هذه المادة وخصوصا في الفقرتين الرابعة والخامسة النزعة الغير دستورية في حرمان واقصاء المواطن السوري المتزوج من امرأة غير سورية من حقه بالترشح وأيضا اجحافا واضحا بحق المرأة الغير سورية، وأيضا اشترط مدة الإقامة المتصلة في سويا لعشر سنوات وهي مخالفة للأعراف الدستورية وفيها أقصاء تام للسوريين المقيمين خارج سوريا سواء كانوا معارضين للنظام أم لاجئين والذين يتجاوز عددهم سبعة ملايين نسمة.
وبموجب المادة /85/ من الدستور السوري فإن رئيس مجلس الشعب يدعو لانتخابات رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ستين يوما ولا تزيد عن تسعين يوما.
وتقدم طلبات الترشيح إلى المحكمة الدستورية العليا وذلك خلال مدة عشرة أيام من تاريخ أعلان الدعوة لانتخاب الرئيس.
وقد اشترطت الفقرة الثالثة من هذه المادة (لا يقبل طلب الترشيح إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلاً على تأييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب، ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد (
ويتم فحص طلبات الترشيح من قبل المحكمة الدستورية العليا، ويبت فيها خلال خمسة أيام تلي المدة المحددة لتسجيلها..
وأيضا هنا نجد الفقرة الثالثة تشترط الموافقة الخطية للمرشح من قبل /35/ عضوا من أعضاء مجلس الشعب. ويعلم الجميع أن النظام وأجهزة الاستخبارات تسيطر سيطرة تامة على مجلس الشعب وأعضائه مما يؤدي الى تعذر واستحالة حصول أي مرشح على هذه الموافقات إلا بموافقة النظام نفسه عليها. وهذا سيؤدي إلى حرمان كل سوري يعيش خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام سواء داخل سوريا أو خارجها.
وبحسب المادة /86/ من الدستور السوري فقد حددت أن انتخاب رئيس الجمهورية يتم من الشعب مباشرة.
ويُعد فائزاً بمنصب رئيس الجمهورية المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة للذين شاركوا في الانتخابات ويتم إعلان نتائج الانتخاب من قبل رئيس مجلس الشعب.
أما المادة /88/ من الدستور السوري فقد حددت مدة ولاية الرئيس الفائز المنتخب وأجازت له حق الترشح لهذا المنصب مرة واحدة تالية فقط (يعني للرئيس الفائز بالانتخاب لمدة سبع سنوات الحق بالترشح لهذا المنصب مرة ثانية تلي الأولى فقط).
والسؤال هنا هل يحق للرئيس الحالي (بشار الأسد الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بعد توليه هذا المنصب لثلاث ولايات رئاسية 2000-2007-2014)؟
نجد الجواب في المادة /155/ من الدستور السوري الصادر عام 2012 والتي نصت على:
تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية وتسري عليه أحكام المادة / 88 / من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة.
وحسب نص هذه المادة التي منحت الرئيس (الحالي) والمقصود عام 2012 الحق بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية لمرتين متتاليتين عدا المرتين السابقتين وقد ترشح لهذا المنصب عام 2014 ومنحته أيضا الحق بالترشح لهذا المنصب عام 2021.
وإن هذه المادة فقدت أهم ميزة من ميزات القواعد القانونية وهي (العمومية والتجريد) فالعمومية تعني ان تطبق هذه المواد على كل شخص تتوفر فيه الصفات المقررة وتنطبق على كل واقعة تتوفر فيها الشروط المطلوبة. والتجريد تعني أنها موجهة للأشخاص في صفاتهم وإلى الوقائع بشروطها ولا وينبغي ألا تخص شخص ما بعينه وهو (الرئيس الحالي).
ووجود هذه المواد وغيرها في الدستور يهدم الحصن الدستوري والفرضيات الأساسية منه في مساواة المواطنين أمام القانون وسيادة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء والاستقرار المبني على أسس العدالة الاجتماعية وتحقيق الديمقراطية وكان لهذا الدستور وسابقه الدور الرئيسي في تدمير سوريا دولة وشعبا.
ومن خلال هذه النصوص (الدستورية) التي صممت بما يتوافق مع مصلحة الحاكم والدور الشكلي لمجلس الشعب والشلل الحقيقي لدور المحكمة الدستورية التي يسمي رئيسها وأعضائها رئيس الجمهورية بحسب المادة /141/ من الدستور ويؤدون القسم أمامه نجد ان الطريق مفتوح للرئيس الحالي للترشح لمنصب ريس الجمهورية.
والحقيقة أن هذا الدستور هو من نوع دساتير (المنحة) حيث يتنازل الحاكم عن بعض من صلاحياته للرعية ويفتقد لأبسط المعايير الديمقراطية المفترضة بالدساتير المعاصرة كونه دستور هيمنة الحاكم على الشعب ويكرس الحكم الفردي الشمولي ومن ناحية ثانية هو مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
إن هذا الدستور هو نتاج لسيطرة النظام السوري على عملية وضع الدستور بكل مراحلها حيث تم تعيين لجنة صياغة الدستور من قبل الرئيس (الحاكم) ولم يتم مناقشة مشوع هذا الدستور وإقراره بمشاركة مجتمعية تغنيه ليشكل عقد اجتماعي للسوريين ويرسم هوية جامعة لهم. وبعد انتهاء لجنة الصياغة من عملها سلمت مسودة الدستور للرئيس الذي أعلن موعد للاستفتاء الشعبي في 26 شباط 2012 في ظل ظروف استثنائية تعصف بالبلاد حيث بلغت المظاهرات الشعبية ذروتها واقتحام الجيش للمدن وارتكاب أفظع المجازر بحق المدنيين السوريين وتمت عملية الاستفتاء بشكل وهمي ومزيف، حيث قاطعت المعارضة السياسية ومعظم المدن السورية المحتجة هذا الاستفتاء. وفي 27 شباط 2012 تم إصدار هذا الدستور من قبل رئيس الجمهورية. لذلك جاء دستور على مقاس الحاكم ورغباته.
وإذا قارنا هذه المادة /155/ من دستور 2012 مع المادة /72/ من الدستور السوري لعام 1950 والتي حددت مدة الرئاسة بخمس سنوات ولم تجيز للرئيس الفائز بالترشح إلى هذا المنصب مرة أخرى إلا بعد مرور مدة خمس سنوات على انتهاء رئاسته. أي أنها منعت رئيس الجمهورية من الترشح إلى هذا المنصب مرة أخرى تلي مدته الرئاسية مباشرة إلا بعد انتهاء مدة خمس سنوات على انتهاء مدة رئاسته.
وبموجب دستور 1973 (دستور حافظ الأسد) حكم حافظ الأسد الأب سوريا لثلاثة عقود عبر خمس ولايات رئاسية لم تكتمل أخرها بسبب موته 1971-1978-1985-1992-1999
وعلى خطى الأب يسير الابن الذي استلم الحكم عام 2000 مستمرا بتطبيق دستور (الأب) 1973 واستلم الحكم لمدتين رئاسيتين (2000-2007) ثم أصدر دستور عام 2012 ليمنحه مدتين قادمتين (2014-2021)
والسؤال المفتوح والمؤلم هو: إلى أين تسير سوريا دولة وشعبا في ظل هذه الدساتير الاستبدادية؟
ناصر زعل الحسن