مضى أكثر من خمسة أشهر على بداية تأجج انتفاضة الشعب الإيراني ضد الدكتاتورية الدينية الحاكمة لإيران ولازالت الانتفاضة متواصلة، وبأبعادها وعمقها ونطاقها واستمراريتها تشكل هذا السؤال في أذهان الرأي العام مفاده: أي نوع من الأنظمة سيحكم هذه الدولة بعد الإطاحة بالدكتاتورية في إيران!
وهو سؤال اجتاز كل العوائق متغلغلًا إلى كل بيت وانشغل به عقل كل إنسان ليكون على مفترق طرق باحثًا عن رؤيا في هذه المنطقة من العالم! ذلك لأنه مع كل حدث تاريخي مهم ينقسم التاريخ! ويصبح الأمر إما الوقوف مع الحقيقة التاريخية أو ضدها! وتاريخ البشرية مليء بهذه الانقسامات، لكن البقاء والدوام سيكون لمن وقف في صف الحقيقة التاريخية.
ويحمل التاريخ هذه الحقيقة في صدره وهي أن “قصر النظر” ، “قصر العمر” هما أيضا بالاعتماد على هذه الحقيقة، ولنعد مرة أخرى إلى انتفاضة الشعب الإيراني لنرى أين وُضِع الأفراد والتيارات والمجتمعات والحكومات في هذه المعادلة؟ وفي قلب هذه الحقيقة نكتشف أيضا أن للتاريخ حقيقة أخرى كامنةٌ في صدره وهي أن : “الشعب سينتصر على الدكتاتور”، وأن وزن وتأثير الآخرين في الرد على هذا مفترق طرق يكمن في تقديم أو تأخير “الزمن” في هذا الانتصار!
لقد قطع شعب إيران شوطًا طويلًا ومكلفًا من أجل الوصول إلى “الحرية والاستقلال والحكم الوطني الشعبي الديمقراطي” وله الحق في عدم القبول بترك الأوضاع تعود إلى الوراء، وقد جربوا دكتاتورية “بهلوي” و “خميني” في المائة عام الماضية ولن يتسامحوا الآن مع أي دكتاتورية أخرى!.
ويمكن اكتشاف هذه الحقيقة بوضوح في الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني، والمشهد الحالي لانتفاضة الشعب الإيراني في الأشهر التي ستنتهي بسقوط الديكتاتورية الدينية أصبح مشهدًا مذهلًا للغاية، ولن يكون بعيدًا عن توقع ظهور المزيد من المشاهد الأكثر روعة على هذا المسير! والآن تكالبت وتتكالب الدكتاتوريات الحاكمة الحالية لإيران والسابقة المخلوعة حتى يمنعوا انتفاضة الشعب الإيراني من الانتقال إلى ثورةٍ وتحولٍ اجتماعي لإقامة حكم وطني شعبي ديمقراطي في إيران، ولكن هل سيكونون قادرين على ذلك؟
تعيش السلطات الحالية الحاكمة لإيران وبقايا الدكتاتورية السابقة في حالة من الرعب من مثل هكذا ثورة وتحاول بشتى الطرق إجبار الشعب الإيراني على الاختيار من بين خيارين للدكتاتورية؟ يحمل أحدهما ما يسمونها بالراية “القومية” والآخر يحمل ما يسمونها بالراية “الدينية الطائفية”، هذا في حين أن كلا النوعين من الدكتاتورية كانا ولايزالان “ضد الإنسانية”، والسؤال التالي هنا هو: في أي جانب ستقف حكومات العالم وخاصة الدول المجاورة لإيران وعلى وجه الخصوص الدول العربية في ظل هذا الانقسام التاريخي الذي أشرنا إليه أعلاه؟ إلى جانب الدكتاتورية واضطراب المنطقة، أم إلى جانب الشعب واستقرار المنطقة؟!
لقد سئم الشعب الإيراني من الإدانات اللفظية لدكتاتورية ولاية الفقيه من قبل الآخرين، ولديهم المزيد من التوقعات من الحكومات وخاصة في الدول العربية، إنهم يريدون “خطوات عملية” من الحكومات لجعل هذه الإدانات أكثر “شفافية” مُرتقية إلى مساراتٍ عمليةٍ أعلى.
لقد تعلم الشعب الإيراني من التجربة أن مدعي “الإصلاح” داخل النظام و “البديل المصطنع” خارج النظام هما “وجهان لعملة الخداع” وذلك من أجل “بقاء الدكتاتورية في إيران”، ومشاريع مثل الدعوة إلى”الإصلاح داخل النظام” أو” التهيئة والترويج لبقايا دكتاتورية الشاه المخلوع بثورة شعبية كبديل (!) لدكتاتورية ولاية الفقيه هي تحركٍ على طريق” بقاء الدكتاتورية في إيران “وهذا خطأٌ كبير! وطريق مرفوض ومسدود من وجهة نظر الشعب الإيراني، وإن الشعارات الحالية للشعب الإيراني بإستمرار “الإنتفاضة حتى إسقاط الدكتاتورية” لدليل على حقيقة أن أيًّا من هذه الخطط والمشاريع لن يكون له بالنهاية سوى الفشل، وأن مؤسسيها ومؤيديها الذين اختاروا الجانب المُر من التاريخ سيذوقون قريبًا طعم الفشل المُر! ذلك لأن جوهر أي نظام دكتاتوري هو قمع وقتل الشعب وسلب حقوقه الطبيعية.
وبنظرة إلى تاريخ إيران والعالم نرى أن الدكتاتوريين يغيّرون وجوههم ويسارعون لمساعدة بعضهم البعض في اللحظات التاريخية (على الرغم من وجوههم وشعاراتهم التي تبدو مختلفة ومتناقضة)، وكما حدث في عام 1979 حيث تركت “دكتاتورية الشاه” مكانها لدكتاتورية “ولاية الفقيه”ونشهد الآن أيضًا موجةً من المتآمرين ضد انتفاضة الشعب الإيراني في آخر أيام دكتاتورية ولاية الفقيه، ولو لم تكن هناك مقاومة مشروعة وشعبية على الساحة لم تكن انتفاضة الشعب الإيراني لتتواصل فحسب بل كانت ستُسحق مرة أخرى وتُسرق قيادتها خاصة وأنه قد تم توظيف مجموعة من وسائل الإعلام الرجعية والاستعمارية حتى يحرفون انتفاضة الشعب الإيراني عن مسارها!
وعليه فإن الشعب الإيراني الآن بحاجة إلى الدعم في مواجهة الأوضاع الحالية، وحجر الزاوية في انتفاضته هو “المقاومة التي تشكلت في ميدان العمل، والتي لم تغلق الطريق أمام أي مؤامرات أو أيٍ من محاولات ركوب الأمواج و الانتهازية فحسب بل وباجتيازها معابر النيران والاختبارات التاريخية الكبرى تكون قد حددت المستقبل لصالح الشعب الإيراني أيضًا”.
ولا يعد خافيًا على أحد أن مصالح الشعب والمجتمع العربي وتحديدًا دول الجوار لإيران تقتضي إسقاط الدكتاتورية والفاشية الدينية الحاكمة لإيران، لكن هذه المصالح ستؤدي إلى الاستقرار والأمن في المنطقة عندما تتماشى مع الانتفاضة ومصالح الشعب الإيراني، وأما الاستثمار في حصان خاسر سيُبقي المجتمع العربي والمجتمع الدولي أكثر فأكثر “تحت خط التهديد”، إن الشعب الإيراني لعازم على الإطاحة بالدكتاتورية الحاكمة لبلده ولن يقبل بأقل من ذلك. خيارهم الحتمي هو “لا لدكتاتورية الشاه ولا لدكتاتورية الفقيه”.
وعليه فإن الأمر متروك للدول والحكومات لاختيار الجانب الحقيقي من التاريخ وعدم إضاعة الوقت وذلك بالوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانية ذلك لأن أي تأخير في هذا الأمر حتى ولو كان لبرهة زمنية على الأقل فإنه سيعرض مصير المنطقة للخطر! ولقد أثبتت التجربة أن الصمت واللامبالاة بشأن ما يحدث في إيران قد كان بنفع الدكتاتورية الدينية الحاكمة والتي هي مصدر الإرهاب في العالم والعامل الأساسي في تصدير الأصولية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وبالنتيجة زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة.
وفي هذا الصدد، وكما قالت السيدة مريم رجوي مؤخرًا فإن التوقع من المجتمع العربي هو “تصنيف قوات الحرس كإرهابي” و “والإعلان عن حظر أي تعاملات سياسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية معه”، وكذلك “طرد نظام الملالي من مؤتمر التعاون الإسلامي” و ” وإن قطع علاقات الدول العربية والإسلامية مع هذا النظام أمر ضروري، وبالتوازي مع هاتين الخطوتين المهمتين هناك خطوة مهمة أخرى وهي “الاعتراف رسميا بنضال الشعب الإيراني من أجل إسقاط دكتاتورية الملالي” والتأكيد على “أحقية ومشروعية معركة الشباب الثائر مع يسمى بـ الحرس الثوري وحقهم في الدفاع عن أنفسهم”.
مقال رأي / عبدالرحمن کورکی (مهابادي)**کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.