في وقت مبكر من يوم 13 أيار (مايو) الحالي، أعلن حزب الله، الحركة الشيعية اللبنانية المسلحة سوية مع راعيتها إيران واللذين ما يزالان يدعمان نظام بشار الأسد منذ وقت مبكر من تفجر الحرب الأهلية السورية، عن مقتل قائد عسكري رفيع المستوى في دمشق. وكانت التفاصيل غامضة: مصطفى بدر الدين الذي كان قد أرسل لقيادة فرقة حزب الله في سورية في العام 2012 قتل في “انفجار ضخم”.
كان بلا أدنى شك الضابط الوحيد الذي يخسره حزب الله في سورية خلال الأعوام القليلة الماضية، بل إنه يعد أرفع مسؤول عسكري في حزب الله بالتأكيد. وكان ذكر أن السيد بدر الدين المعروف بأنه كتوم قد حل محل رئيس عمليات التنظيم، عماد مغنية، بعد اغتياله في دمشق في العام 2008. ولقد انعكست الصفعة القوية التي تلقاها بمقتله الحزب الذي يعد أيضاً حزباً سياسياً وتنظيماً عسكرياً منضبطاً انعكست في حالة التشويش التي عمت ماكنته الإعلامية المنضبطة جداً في العادة.
وبينما سارعت إحدى القنوات التلفزيونية التابعة لحزب الله لتحميل إسرائيل المسؤولية عن مقتل بدر الدين رفض الناطق بلسان الحزب تحديد أي مرتكبين محتملين. ومما يجدر التنويه إليه أنه لم يكن واضحاً لا توقيت ولا موقع الانفجار وحيث شاعت تقارير متضاربة تحدثت عن أن التفجير وقع بالقرب من الحدود مع لبنان أو في أطراف دمشق ليلة العاشر من أيار (مايو) أو ربما يوم 12 أيار (مايو). وبالرغم من أنه يجري تصوير معظم الانفجارات التي تحدث في سورية التي مزقتها الحرب ويتم تنزيل الشرح عنها على الموقع الإلكتروني، فإنها لم تتوفر أي صور عن التفجير الذي أودى بحياة بدر الدين.
وتعد إسرائيل المشكوك فيه الاعتيادي في الوقوف وراء تنفيذ عمليات اغتيال غامضة في المنطقة، كما درجت العادة. كما أنها كانت لتتوافر على دافع جلي للقضاء على السيد بدر الدين، الذي سوية مع مرشده ومعلم الراحل عماد مغنية كانا قد وجها الكثير من عمليات حزب الله ضد إسرائيل على مدار العقود الثلاثة الماضية. إلى ذلك، ستكون القائمة التي تضم اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين سيبتهجون بأخبار مقتله طويلة.
ويعتقد بأن السيد بدر الدين كان قد تورط في سلسلة من الهجمات في عموم الشرق الأوسط ليس لصالح حساب حزب الله وحسب وإنما تلبية لراعيتيه سورية وإيران. فقد كان قد اعتقل في الكويت في أوائل الثمانينيات (من القرن الماضي) وحكم عليه بالإعدام للتخطيط لنسف السفارتين الأميركية والفرنسية هناك. لكن الغزو العراقي للكويت في العام 1990 أنقذه من حبل المشنقة وأخلت سلطات الاحتلال العراقي في حينه سبيله وسمحت له بالعودة إلى لبنان. ولاحقاً اتهم من جانب المحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005.
وتجدر الإشارة إلى أنها منذ ضربها لمفاعل نووي سري في العام 2007 تنتهج إسرائيل سياسة صارمة إزاء عملياتها التي تنفذها في سورية فلا هي تؤكد ولا تنفي صحة أي من الضربات الجوية التي تنسب لها. ومع ذلك، يعتقد بأنها نفذت حوالي 20 هجوماً خلال الأعوام الخمسة الماضية، ضد قوافل أسلحة كانت متوجهة كالعادة لحزب الله في لبنان. وفي كانون الثاني (يناير) من العام 2015 قتلت غارة جوية على الجولان جهاد مغنية، نجل رئيس العمليات في الحزب سابقاً عماد مغنية والذي كان يقود عمليات حزب الله في المنطقة بالإضافة إلى قتل جنرال إيراني وقادة آخرين. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قتل سمير القنطار اللبناني الذي أمضى 29 عاماً في السجون الإسرائيلية والمعروف عنه أنه كان يخطط لهجمات عبر الحدود سوية مع إيران وحزب الله، في غارة جوية على إحدى ضواحي دمشق.
لطالما كرر المسؤولون الإسرائيليون أن البلد لا يميل لجانب أي جهة في الصراع السوري، لكنه سيتصرف لمنع حزب الله من بناء حصون له على الحدود أو مراكمة صواريخ متطورة. وفي اعتراف نادر، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أثناء زيارة للجولان (المحتل) في نيسان (ابريل) الماضي “إننا نتصرف عندما نحتاج للتصرف بما في ذلك هنا عبر الحدود وننفذ دزينات من الضربات التي تهدف إلى منع حزب الله من الحصول على أسلحة تغير اللعبة”.
ويوم 13 أيار (مايو)، التزمت الحكومة الإسرائيلية بسياستها المعتادة القائمة على عدم الإقرار أو عدم نفي تورطها في شن هجمات في سورية. وخروجاً على العادة أوجزت مصادر عسكرية الصحفيين بأنها هذه المرة لم تكن عملية من تنفيذ إسرائيل. كما أن تردد حزب الله في تحميل إسرائيل المسؤولية عن قتل بدر الدين يعد أيضاً موقفاً منحرفاً عن خطه حيال حالات اغتيال سابقة. (تجدر الإشارة إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أعلن في حفل لتأبين بدر الدين في بيروت أن إسرائيل غير مسؤولة عن اغتياله. لكنه قال إن ذلك لا يعني تبرئتها). أما بالنسبة لمجموعات الثوار السوريين الذين يقاتلون ائتلاف حزب الله وإيران والميليشيات الشيعية التي تدعم نظام الأسد، فإن أيا منها لم تعلن مسؤوليتها عن قتل بدر الدين. (وكان حزب الله أعلن بعيد مقتل بدر الدين أن مسؤوله العسكري قتل نتيجة لقصف مدفعي من مرابض مدفعية الثوار السوريين).
وعند هذه النقطة، لا يمكن استبعاد أي احتمال بما في ذلك احتمال وجود منافسة شيعية داخلية أو حدوث انفجار عرضي. لكن كائنة ما كانت الحالة يعد موت السيد بدر الدين صفعة وجهت لحزب الله الذي فقد حتى الآن أكثر من 1400 من مقاتليه في سورية بمن فيهم العديد من قادته الأكثر خبرة. وتعد الخسائر التي يمنى بها الحزب بهذا المستوى مشكلة خطيرة بالنسبة لزعيم الحزب حسن نصر الله. لكن وإلى أن تقرر إيران التي تمول حزب الله أن السيد الأسد لم يعد يستحق المساندة والدعم، فإن خسائر حزب الله وآلام سورية وعذاباتها ستستمر على الأرجح.
“الإيكونوميست” 13/5/2016
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني