الثورة السورية وما رافقها من أحداث على منذ اندلاعها في آذار 2011، جعلتها “الحدث الأهم” في وسائل الإعلام، لتغطية معاناة شعب وصفت بـ “مأساة القرن”، فنقل الإعلام قضايا النزوح والمخيمات، فضلاً عن الحصار، والقصف وغيرها من القضايا.
اعتمدت وسائل الإعلام، فضلاً عن المنظمات والجمعيات الإغاثية على الناشطين والمصورين الميدانيين، الذين ولجوا في طريق “الإعلام” دون أن يملكوا مهارات إعلامية، وغطوا ووثقوا الحالات الإنسانية، ولكن المساعدات أو الخدمات المقدمة للمتضررين لم ترق إلى أوضاعهم الإنسانية الصعبة، ما أدى مع مرور الأيام إلى فقدان الثقة، واتهام الإعلام والمنظمات الإغاثية باستغلال معانة الناس وتحويلها إلى سلعة للمتاجرة بها، وفق ما عبر به عدد من نازحي المخيمات على الحدود مع تركيا، في حديثهم لمراسل “الصوت السوري”.
أم محمد نازحة في مخيم الإخاء بريف جسر الشغور الغربي، تحدثت لمراسل “الصوت السوري”، موجهة للإعلاميين اتهاماً مباشراً بـ “المتاجرة بمعاناتهم”.
قالت أم محمد “يزورنا بشكل متواصل مصور أو إعلامي، يصور ظروفنا المعيشية، ونتحدث معه لنصف أوضاعنا، ونشرح عن مشكلاتنا، ومن ثم نتلقى وعوداً ولكن لا نراه بعد هذا التصوير، ما يدفعنا للإحساس بأنه يستخدمنا مادة ليقبض أموالاً فقط”.
وأضافت أم محمد “لن أقبل بعد اليوم أن أكون مادة لإعلامي يحصل على المال لقاء تصويرنا، ونبقى نحن نعاني الفقر والمأساة”.
ومن جهته قال عمر جبلاوي، إعلامي من اللاذقية، لمراسل “الصوت السوري” “تصوير المخيمات وتسليط الأضواء عليهم، هو وسيلة لنقل معاناة النازحين، والوقوف على مشكلاتهم، لإيجاد حلول مناسبة، وليس كل إعلامي يأخذ مالاً لقاء تصويره”.
وأضاف الجبلاوي “ترددت على مسامعنا أثناء التصوير في المخيمات، اتهامات بحقنا، ولكن أليس من حق الإعلامي أن يعمل لقاء مبلغ مالي، ليستطيع الاستمرار في حياته أولاً، ونقل معاناة الآخرين ثانياً؟!”، مشيراً أن ” ما يتقاضاه الإعلامي من مال لا علاقة له بمساعدات الجميعات والمنظمات”.
“أزمة الثقة” بين النازح والإعلامي دفعت بعض المخيمات إلى منع التصوير، تماشياً مع مطالب النازحين بمنع تصويرهم والمتاجرة بمعاناتهم، كحال مخيم الإخاء في الريف الغربي لمدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب، حيث يمنع فيه تصوير النازحين لأي جهة، إغاثية كانت أو وسيلة إعلام محلية أو خارجية.
مخيمات وجمعيات إغاثية أخرى تعتقد أن الصورة مطلوبة ومهمة، لارتباطها بالدعم، بل هي مطلب لأي جهة داعمة ومانحة، وتستخدم الصور لتوثيق الحالات، ومن ثم توثيق الدعم.
يمن شاكر مديرة مخيم “عمر الفاروق” ومديرة جمعية “الإحسان” في ريف اللاذقية، قالت لمراسل “الصوت السوري” “لا نستطيع أن نأتي بأي مساعدة دون تصوير أو توثيق، لأن من يرسل المساعدات يحتاج إلى توثيق توزيعها، فنرسل له الصور وأسماء المستفيدين من الدعم كما نضطر لإعادة التصوير أكثر من مرة تماشياً مع مطالب الداعم”.
“التوثيق يأتي أخراً وليس أولاً”، هكذا قال الدكتور رامي حبيب، مدير إحدى الجمعيات الإغاثية لمراسل “الصوت السوري”، مؤكداً أن “للتصوير دور كبير في نجاح أي مشروع، شرط أن يتم بالشكل المناسب، لا سيما مراعاة وضع النازحين وظروفهم، ومعرفة هل ساهم أو سيساهم هذا التصوير في تقديم شيء لهم؟”.
وأضاف الدكتور رامي: “التصوير المبتذل وغير الهادف قد يحصد إعجابات، ويستثير العاطفة الإنسانية، ولكنه لا يحل المشكلة، بينما التصوير الهادف، يبث الروح في الصورة، ويحمل معه اقترحات، والأهم من ذلك أنه يلفت انتباهنا إلى أشخاص جديرين بالمساعدة”.
فريق ملهم التطوعي، العامل على تقديم المساعدات للسوريين في الداخل والخارج، يعدّ من النماذج الناجحة، في إيجاد التوازن بين كسب ثقة النازحين عند تصويرهم، وإرضاء الداعمين في توثيق أعمالهم.
محمد الحاجي، عضو فريق ملهم التطوعي، تحدث مع مراسل “الصوت السوري” عن تجربة الفريق، التي كسب من خلالها الثقة، على منظمات وجمعيات عاملة في نفس المجال، مشيراً أن “ما يطلبه الداعم للتوثيق لا يعني أنه للنشر أبداً”.
وقال الحاجي “نتعامل مع التصوير بحساسية كبيرة، ولدينا حرص شديد على ما ننشره على وسائل الإعلام، وما نحتفظ به للتوثيق، ولدينا معايير للصورة المنشورة على الإعلام، كإخفاء الوجوه بطرق عدة منها التصوير من زاوية خلفية، فالهدف إظهار نجاح المشروع، وليس فضخ خصوصية الناس، وما نقدمه للجهات الداعمة نشترط أن يبقى للتوثيق لا يظهر للعلن”.
الثقة بين المتضررين والإعلام كبيرة وعامة في معظم مناطق سوريا، صدرت المشكلة الجهات الداعمة من خلال شروطها على الجهات الوسيطة، كالجمعيات والمنظمات الإغاثية في تقديم المساعدات، دون أن تراعي مشاعر وخصوصية الأشخاص في المخيمات والمناطق المحاصرة.
ولطالما كانت تلك المشكلة موضع حديث وجدل السوريين في حياتهم اليومية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أن أعداداً ليس بالقليلة من السوريين، بدّلت الحرب أحوالهم من غنى إلى فقر، ومن اكتفاء إلى حاجة، لتجرح صور مشاعرهم، وتزيد من مأساتهم.
المصدر : الصوت السوري – أمية برس