كتبت الصحفية والمعتقلة السابقة …لونا وطفة :
في روايته “1984” يشير أورويل إلى اتباعهم أسلوب تعذيب فريد من نوعه، كانوا يختارون لكل إنسان عقوبة مختلفة، إنما اعتماداً على أسوء مخاوفه التي يعرفونها من خلال مراقبتهم له.
قد تظن أنها مجرد رواية وأنه ما من نظام مهما بلغ من القوة سيكون قادراً على معرفة مخاوف كل مواطني دولته، وهذا صحيح، بيد أن هناك طرقاً أخرى لمعرفة أسوأ مخاوف الإنسان، كأن تهدده بأساسيات حياته، وهذا مافعله نظام الأسد.
عندما تم اعتقالي ومحاولة تهديدي بكل أنواع التعذيب وحتى الكهرباء لانتزاع اعتراف مني بالقوة، رفضت ذلك وتوقعت أنهم طالما لا يملكون بعد دليل ضدي فليفعلوا ما يريدون، لن أغير موقفي. إلى أن جاءت تلك اللحظة التي أخذوني بها على حد زعمهم إلى غرفة التعذيب وكانت بدل ذلك رحلة طويلة باتجاه منزلي واعتقال أطفالي أمام عيني.
لم يكن هناك ماهو أسوأ من ذلك، تهديد أم بأطفالها وإرغامها على الاعتراف. كان هذا الحدث أول فترة اعتقالي التي استمرت عاماً وشهراً، تنقلت خلالها بين ثلاثة أفرع أمنية، مخفري شرطة للإيداع، وأخيراً السجن المركزي للنساء.
خلال هذه الفترة مررت بكل ما يمر به المعتقل في سجون الأسد، التعذيب، التهديد المتواصل بتعذيب أطفالي أمامي، التحرش الجنسي، التجويع، الإهمال الصحي، إجباري على الظهور بقناتهم التلفزيونية الرسمية لأقول أنني إرهابية ونادمة على ذلك، وعدم قدرتي على الاطمئنان عن أطفالي إلا بعد وصولي للسجن المركزي ومعرفة أنهم كانوا بخير ولم يتم اعتقالهم وإنما إيهامي بذلك للضغط عليَّ بهم وابتزازي.
كل ذلك لأنني أثبت جريمتهم بارتكاب المجزرة الكيماوية في الغوطة الشرقية عام 2013 والتي ذهب ضحيتها ما لايقل عن 1000 ضحية معظمهم من النساء والأطفال. كانت الأدلة بحوزتي أو ما اعتبروه هم أدلة، صور ومقاطع فيديو للضحايا مع أسمائهم كان كافياً لاعتباري إرهابية متواطئة على النظام.
في المعتقل كان هناك غيري الكثير من النساء اللاتي تم اعتقالهنَّ مع أطفالهنَّ. في ذلك المكان غير المناسب للحياة البشرية حضر معنا أطفال بعضهم لم يتجاوز سني عمره الخمسة الأولى، كل ذلك لأن أحدهم اعتبر أن تلك الأم تستحق هكذا عقوبة، عقوبةٌ تتجلى كأسوأ مخاوفها.
ليس أن المعتقل لا يتعرض للأسوأ دائماً، بل هو غالباً ماحدث ويحدث في معتقلات الأسد، بيد أن وطأة المعاناة تزداد حين يكون المعتقل أنثى بسبب الطبيعة الأنثوية ذاتها. فالجسد الضعيف وآلام الطمث وما يرافق ذلك من متاعب نفسية وجسدية ، وما يتطلبه من غذاء ودواء ورعاية ومسلتزمات أخرى كالفوط النسائية والحاجة إلى دخول الحمام في أي وقت تزيد الطين بِلَّة.
البعض اعتقلن أثناء الحمل، ومن عادة التحقيق مع النساء أن يكون السؤال الأول: “حامل ؟ في أي شهر؟ ”، يتبادر إلى ذهنك حينها أن السؤال هو بدافع الحرص على وضعها الصحي، لكن ما تسمعه من كلمات نابية ترافق تعذيبها ” والله لننزلك هالنجس اللي ببطنك..عم تخلفوا ولاد يا….” يكفي لتعلم أن الرغبة في إيقاع الأذى إلى أقصى حد هو ما يكمن خلف السؤال.
امتهان الحياة البشرية وصولاً لمثل هذا المستوى لا يمكن أن تراه أو تسمع عنه إلا بروايةٍ قاسيةٍ كرواية أورويل، أو في معتقلاتِ طاغيةٍ لا يتوانى عن أي جريمة بحق الإنسانية كنظام الأسد.