تزايدت في الآونة الأخيرة محاولات النظام السوري إعطاء انطباع بوجود تنسيق من نوعٍ ما بينه وبين التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وكان آخرها التصريحات التي أدلى بها الرئيس بشار الأسد بهذا الخصوص في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية؛ حيث قال: “إنَّ أطرافًا ثالثة، من بينها العراق، تنقل معلومات إلى دمشق بشأن الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة على تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا”، وهو ما تنفيه أمريكا، وتختلف في ذلك أحيانا.
ويفسر مراقبون سياسيون أن التطور المختلفة في موقف الإدارة الأميركية من قضية الإطاحة بنظام الأسد، وتكرارها لمقولة: إنه “فقد الشرعية”، حرصا من الرئيس أوباما الشخصي على تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية من مدخل التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين حول برنامجهم النووي، واستمرار النظام وبقاؤه مصلحة أميركية بعد صعود تنظيم الدولة؛ حيث تعتقد واشنطن أن البديل لنظام الأسد لم يعد، في ظل ضعف المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض وتشتتها في الخارج، إلا التنظيمات الإسلامية المقاتلة في الأرض.
لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن يوم الثلاثاء أثناء لقائه أمير قطر الذي يزور أمريكا لأول مرة منذ توليه الحكم في يونيو 2013، مواصلة دعم المعارضة السورية المعتدلة، وفي نفس الوقت قال إن الاستقرار في سوريا غير ممكن إلا بإخراج الرئيس السوري بشار الأسد، معيدا قوله “إنه فاقدا للشرعية”، معتبرا أن ذلك “مصدر تحد استثنائي”.
واعتبر محللون سياسيون أن حديث أوباما المتناقض مرة مع الدول العربية التي تسعى لدعم الثورة السورية التي تقترب من عامها الخامس، وفي الأثناء يناقض مواقفه عند الحديث مع الإيرانيين حول الأسد، تمثل السياسية الأمريكية الساعية لخلق الفوضى في الشرق الأوسط، والحفاظ على مصالحه الإستراتيجية في المنطقة، وخاصة أن معظم أساطيل الولايات المتحدة الأمريكية تتركز في دول الخليج.
وأكد أوباما والشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الثلاثاء -في ختام محادثات ثنائية في البيت الأبيض بواشنطن- توافق رؤى بلديهما بشأن قضايا الشرق الأوسط، ومن بينها الأزمة السورية ومساعي التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، كما تناولت المحادثات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. ووصف أوباما المحادثات مع الشيخ تميم بالممتازة، وقال إن هناك توافقا في الرؤى بينهما حول مختلف القضايا بما فيها سوريا.
وقال: “سنواصل دعم المعارضة المعتدلة هناك وما زلنا نعتقد أن تحقيق الاستقرار الكامل في ذلك البلد، غير ممكن قبل إخراج السيد الأسد الذي فقد الشرعية” من السلطة، غير أنه في الوقت نفسه أكد أن تحقيق ذلك أصبح “مصدر تحد استثنائي” على حد تعبيره.
وأضاف أنه تبادل الآراء مع أمير قطر حول كيفية إخراج الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة.
من جهة أخرى أشاد أوباما بالدور الذي تقوم به الدوحة في إطار التحالف الدولي ضد “داعش”، مشيرا إلى “شراكة متينة” بين البلدين.
وقال “إننا نعمل مع عدد من البلدان في المنطقة لإيجاد حل للمشكلة ولوضع حد للتوترات المذهبية.. وهزيمة تنظيم “داعش”، مضيفا أن قطر شريك قوي في التحالف الدولي ضد الإرهاب.
جدير بالذكر أن قطر تتيح للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إمكانية توجيه ضربات جوية على مواقع التنظيم انطلاقا من قاعدتها الجوية.
تتعرض قطر في السنوات الأربع الأخيرة لانتقادات شديدة، واتهامات بدعم الإرهاب وتمويله، بما في ذلك تنظيم “الدولة الإسلامية” لاسيما من قبل مصر وحكومة ليبيا في طبرق.
من جهته، أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للرئيس الأمريكي باراك أوباما التزام قطر بهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وقال إن “اهتمامات البلدين مشتركة خاصة في مواجهة الجماعات الإرهابية لكي نتأكد أن ما حدث لن يتكرر مرة أخرى، خاصة وأننا نرى ما حدث في السابق يحدث الآن”. وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قد قال في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أمس الثلاثاء، إنه يجب العمل على “سحب الشرق الأوسط من حافة الإنهيار” مؤكدا أن “قطر جزء لا يتجزأ من المنطقة، وتهتم بشكل كبير بأمنها واستقرارها” وهي “تمثل حجر الأساس للاستقرار في بحر من الاضطراب”.
وذكر الأمير في مقاله “عندما ألتقي الرئيس باراك أوباما في واشنطن، كجزء من زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، رسالتي ستكون واضحة ألا وهي: يجب أن نعمل معا لسحب الشرق الأوسط من حافة الانهيار، وهذا يتطلب التزاما جريئا على أساس رؤية طويلة الأجل من العدل والأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة”.
وبيّن أن “قطر على استعداد للقيام بكل ما يلزم للمساعدة في تحقيق هذه الرؤية، وتحقيقا لهذه الغاية سيكون لدينا علاقة ثنائية قوية توفر أساسا متينا للتعاون بين أميركا وقطر، سواء في المنطقة أو خارجها، وبالفعل فقد تعمقت شراكتنا الإستراتيجية في السنوات الأخيرة رغم الاضطرابات الإقليمية”.
وقال تميم، “يجب إنهاء الاحتلال العسكري المستمر منذ عقود لفلسطين، ويجب إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة، ولكن حصار غزة العام الماضي أوضح أن الوضع الراهن ليس خيارًا، فعلى مدار الثلاث سنوات الماضية، وقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي بينما خسفت سياسات القوة المتهكمة بتوق الشباب في العالم العربي للحرية والعدل والأمن الاقتصادي، ولكن على الرغم من كل التشاؤم الذي ولدته قوى العنف والقمع، سيظل شباب العالم العربي ثابتًا وملتزمًا بإنشاء مستقبل أفضل. إنهم يستمرون في الأمل بوجود شرق أوسط تُحترم فيه الكرامة الإنسانية وأن تكون العدالة حقيقية”.
دفاع مشترك
يذكر أن دولة قطر ترتبط بإتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة منذ عام 1992، وقد وقعت في يوليو/ تموز 2014 اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة لشراء طائرات أباتشي وصواريخ باتريوت، خلال زيارة اللواء حمد بن علي العطية، وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، إلى واشنطن، ولقائه مع وزير الدفاع الأميركي السابق، تشاك هيغل، حسبما أفادت وكالة الأنباء القطرية، دون أن تذكر قيمة الصفقة، غير أن تقارير إعلامية ذكرت أنها تبلغ 11 مليار دولار. واستلمت قطر ثلاث طائرات عملاقة من “بوينغ” في نوفمبر الماضي، ضمن سلسلة صفقات عقدتها الخطوط الجوية القطرية، الناقل الرسمي لدولة قطر معها، والتي ستشتري بموجبها 50 طائرة عريضة البدن، من نوع “777 إكس”، قيمتها 18.9 مليار دولار.
تعاون تجاري
وحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية، شهد العام الماضي 2014 زيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث وصل إلى نحو سبعة مليارات دولار، مرتفعا من (3.75 مليارات دولار) في عام 2013.
وتحتل قطر، المرتبة الثالثة كوجهة لصادرات الولايات المتحدة في منطقة دول الخليج، بعد دولة الإمارات والسعودية، والخامسة في منطقة الشرق الأوسط، كما أن وسائل النقل من أبرز المنتجات الأميركية التي زادت مبيعاتها إلى قطر، مثل طائرات “بوينغ” والسيارات والشاحنات الأميركية.
وتعمل في السوق القطري أكثر من 120 شركة أميركية، منها شركات هندسية واستشارية أميركية؛ تؤدي دوراً مهماً في المشاريع الرئيسة في قطر، منها مطار حمد الدولي والميناء الجديد، إلى جانب مشروع السكك الحديدية، ومشاريع عديدة في إنشاء الطرق.
وتبلغ الاستثمارات القطرية في أميركا، نحو 11 مليار دولار، منها استثمارات في الغاز الطبيعي المسال في تكساس، بحدود عشرة مليارات دولار، ومشروع واشنطن دي سي التابع للديار القطرية بحدود 700 مليون دولار، واستثمارات للقطاع الخاص القطري في شيكاغو من خلال مجموعة الفيصل، وهي بحدود 200 مليون دولار، فضلا عن استثمارات صغيرة أخرى لرجال أعمال قطريين.
موقع: المحيط