مما لا شك فيه أن مآلات الثورة أو الأزمة السورية، كما بات يطلق عليها عالميا، وصلت إلى حالة الاستعصاء، وباتت كل الحلول المطروحة على الطاولة مجرد افتراضات نظرية، لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، ولا يمكن التعامل مع فكرة المفاوضات المعطلة حاليا بوصفها طوق نجاة يمكن إلقاؤه إلى قرابة عشرة ملايين سوري ما بين محاصر ونازح ومهجر ناهيك عن مئات الآلاف من المعاقين والمعتقلين، لأنها أصلا لم تتقدم قيد أنملة، ولم تستطع وضع تصور ولو حتى نظريا للحل، طالما أن الأسد باق على رأس السلطة مشفوعا بوصاية روسية تزداد قوة يوما بعد يوم، في ظل انعدام طرف آخر لا يرجح كفة المعارضة، ولكن على الأقل يساندها.
وإذا كانت الدول الغربية وبعض الدولة العربية المعنية قد كثفت من جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الأخيرة، من أجل البحث عن مخرج ملائم، فإن النظام وداعميه بالمقابل قد كثفوا من طلعاتهم الجوية على حلب تحديدا، والتي تحولت في الفترة الماضية إلى أيقونة جديدة تضاف إلى أيقونات سابقة، لا بسبب صمودها، ولكن بسبب حجم مأساتها الكبيرة، وحجم الدمار غير المسبوق الذي لحق بها، كل هذا ليثبت نظام الأسد ومن ورائه ملالي طهران، رفضهم الكلي لأي حلول سياسية لا تنسجم مع شعارهم الذي رفعوه أول مرة، “الأسد أو نحرق البلد” وهو الشعار الذي أباح لهم عمليـات تدمير و تهجير منظمة، أشرف عليها قادة الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر، ثم تولت روسيا منذ تدخلها نهاية سبتمبر من العام الماضي إكمال المهمة، وحققت آلتها العسكرية دمارا هائلا، وتسببت في كـوارث إنسانية، ستحتاج عقودا طويلة لمعالجتها، هذا في حال توقفت الحرب قريبا، وهو أمر تشير كافة التوقعات إلى أنه ضرب من الخيال في الوقت الحالي على الأقل.
على الأرض تبدو كتائب الثوار لا حول لها ولا قوة وهي تصغي كل مرة إلى سيل من الوعود بقرب التسليح، يعقبه على الفور تشدد أميركي غير منطقي في رفض عبور أي قطعة سلاح إلى الكتائب السورية خشية وقوعها في أيدي من تسميهم واشنطن الجماعات المتشددة، وهي تعني بكل تأكيد تنظيم داعش، والذي لم يعان وفق ما يظهر من تسجيلات ومعلومات أي نقص في المعدات العسكرية المتطورة، وهو، ورغم الخسائر التي تعرض لها، سواء في العراق أم في سوريا ما زال يمتلك كافة مقومات البقاء، وهو يحتل بشكل عملي مساحات شاسعة في البلدين، في حين لا تمتلك كتائب ثوار سوريا، أو من تبقى منها، القدرة على قتال الجميع ما بين تنظيم داعش وقوات النظام، وخاصة في مواجهة ذلك الطوفان من العسكريين والمرتزقة الذين لا تنفك إيران ترسلهم تحت أنظار واشنطن، دون أن تخشى عقابا أو حتى تحذيرا شديد اللهجة في أضعف الإيمان.
وإذا كانت إيران قد تعرضت لهزائم متلاحقة آخرها ما حدث في خان طومان في الريف الحلبي، والذي أفقدها صوابها وجعلها تتوعد علنا بالرد القاسي، فإنه من المؤكد أن استمرار الضربات الجوية الروسية السورية على كتائب الثوار والمعارضة المسلحة من شأنه أن يفقدها قدرتها على مواصلة الصمود، لتصبح حلب في المحصلة لقمة سائغة بين أنياب الإيرانيين، ولن تلبث إدلب آخر معاقل الثورة الحية أن تجد نفسها محاصرة من كافة الاتجاهات، هذا في حال استمرار سياسة التسويف التي ينتهجها أصدقاء الشعب السوري، وهي سياسة مستمرة منذ بدايات الثورة السورية، وتحديدا منذ فبراير 2012 في المؤتمر الأول لأصدقاء سوريا، ساعتها لم يطق وزير الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل الحشو الكلامي، والخطابات المتعاطفة، واعتبر وهو يعلن انسحاب وفد المملكة من الاجتماع أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو نقل السلطة طوعا أو كرها، وهو ما عاد ليؤكده مؤخرا وزير الخارجية السعودي عادل جبير الذي قال “إن الأسد سيرحل عن سوريا سواء بالعمل العسكري أم السياسي”.
ولأن الرغبة السعودية في دعم الشعب السوري وثورته تصطدم بما يمكن وصفه بالتواطؤ الدولي، فإن الأسد ومن ورائه داعموه يبدون ذاهبين بعيدا في حربهم على كل ما هو حي، واستطرادا على كل ما هو سوري، بعد أن عدلوا شعارهم الأول ليصير “الأسد ونحرق البلد” وقد بدأ النظام منذ أشهر باستجلاب العروض الإيرانية لإعادة إعمار البلد بعد تدميرها وإحراقها، ليعاد بناؤها من جديد وفق رؤية المرشد الإيراني.
ثائر الزعزوع – العرب