لإندبندنت
عاد الآلاف من اللاجئين ذوي الأصول الأرمنية إلى موطنهم الأصلي بعد 100 عام من “الإبادة الجماعية” التي تعرضوا لها؛ أملًا ببدء حياة جديدة في ظل جبل أرارات.
داخل شقته في ضواحي العاصمة الأرمينية، ينظر هوفيغ أشجيان من خلال المجهر عبر عدسة صغيرة جدًا إلى قطعة صغيرة من ألماس في خاتم من الفضة، هو بالأصل من مدينة حلب ولكن الصائغ الأرمني انتقل إلى أرمينيا بعد بداية القتال بين “المسلحين” والقوات الحكومية في سوريا.
“جئت إلى هنا بدون أي شيء” يقول أشجيان مضيفًا “في أحد الأيام رأيت الدبابات في الخارج أمام منزلي والناس يصرخون، عندها قلت لزوجتي: هيا بنا من الأفضل أن نذهب”.
هرع أشجيان مع زوجته إلى المطار الذي يبعد عنهم قرابة 25 دقيقة، ولكنه استغرق 3 ساعات بعد مرورهم بعدد كبير من الحواجز، وركبا في آخر طيارة مباشرة من حلب إلى يريفان.
السيد أشجيان هو واحد من حوالي 15 ألف سوري من أصل أرمني لجؤوا إلى أرمينيا منذ اندلاع “الصراع” في سوريا عام 2011، بحسب الأمم المتحدة.
نهاية الأسبوع المقبل، 24 نيسان الحالي ستحيي أرمينيا (الدولة السوفييتية السابقة ذات الـ3 ملايين نسمة، التي تقع جنوب القوقاز على الحدود مع إيران وتركيا) الذكرى المئة لمجازر عام 1915 التي ارتكبها “العثمانيون” بحق الأرمن الذين يعيشون شرق تركيا.
أرمينيا وبعض البلدان الأخرى تعتبر تلك الأحداث، خلال الحرب العالمية الأولى، بأنها إبادة جماعية أدت إلى مقتل 1.5 مليون شخص، على الرغم من أن تركيا تنفي هذا الأمر وتشكك في عدد القتلى.
“الناجون من الذبح”، والذين قطعوا مسافات شاسعة في الصحراء، بنوا مجتمعاتهم في سوريا، ولبنان، والعديد من الدول في الشرق الأوسط.
يريفان، مدينة أرمنية يصل عدد سكانها قرابة مليون نسمة، وتسمى “بالمدينة الوردية” بسبب وفرة الصخور البركانية وردية اللون التي استخدمت ببناء معظم المناطق السكنية فيها.
وتتوج قمم جبل أرارات سماء المدينة الذي يعتقد المسيحيون بأنه الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام؛ ويقول أشجيان “إن أزيز الطائرات يمكن سماعه بشكل متقطع في سماء المنطقة، كما أن روسيا تحتفظ بـ 3 آلاف جندي في قاعدة داخل غيومري، المدينة الثانية في أرمينيا، والمزودة بدفاعات جوية أرمينية أيضًا”.
ويضيف بابتسامة ساخرة “تشعر وكأنك في سوريا، نتساءل أحيانًا فيما إذا كانوا قادمين إلينا فعلًا”.
معظم الطائرات التي تستخدمها قوات النظام السوري التابعة لبشار الأسد لقصف المدنيين من صنع روسي.
ليس كل شيء في أرمينيا جيد للاجئين السوريين الذين وصلوا إليها بحثًا عن عمل والذي يعتبر صعبًا بالنظر إلى معدل البطالة الذي يصل 21%، إذ إن متوسط الأجر للعامل هو 20 جنية استرليني في الشهر.
وبعيدًا عن الاختلافات الثقافية، تعتبر مشاكل إتقان اللغة للقادمين الجدد أمرًا مهمًا، إذ إن العديد من مجتمعات الشتات تتحدث اللغة الأرمنية الغربية، وهي اللغة التي يتحدثها أجدادهم في الامبراطورية العثمانية.
وعلى الرغم من أنها اللغة نفسها بجوهرها، إلا أن الأمر يشبه إلى حد كبير البريطانيين الذين رحبوا بزوارهم من إنكلترا في عهد شكسبير.
بالنسبة لأشجيان تعتبر اللغة شيئًا جديدًا ولكنه أمل ببداية جزء جديد من حياة عائلته، “إنها مختلفة جدًا لأننا في أرضنا، أرض أجدادنا؛ لقد رسمنا صورًا لجبل أرارات في المدرسة، ولكننا نراه اليوم بأعيننا؛ نعم إننا الآن في تركيا، ولكنه من وجهة نظري أكثر جمالًا من الجانب الآخر”.
في شارع شمالي بريفيان، داخل مرآب لتصليح السيارات المنشأ مكان عمارة سكنية يسكنها الأرمن السوريون، تدير آني بالخيان، منظمة حلب غير الربحية، التي أسستها النساء في المدينة لمساعدة اللاجئين في تأمين السكن والعمل وتعليم الأطفال واللغات، وتتواصل بشكل مستمر مع الأرمن الذين لا يزالون يعيشون أوضاعًا غير مستقرة داخل سوريا.
حوّلت السيدة بالخيان وزملاؤها مؤخرًا أموالًا لعائلات أرمنية في بلدة كسب، وهي بلدة ذات غالبية أرمنية تقع شمال غرب سوريا، وهوجمت من قبل “جهاديي تنظيم القاعدة” آذار 2014، وخطفوا القرويين منها وأضرموا النيران ودنسوا كنائسها ومقابرها.
كانت كسب في السابق مسرحًا لمجزرة على يد القوات العثمانية عام 1915، وكان هناك مطالبات من الأرمن في تركيا العام الماضي بالدخول إليها، ولكن السلطات التركية تدخلت ولو بشكل غير مباشر، وعارضت بشدة هذا الأمر.
وقالت بالخيان “كان الأرمن سعداء في سوريا ولكن كل شيء تغير الآن، إذ أضحت ثقافة القتل في داخل كل شخص، ولهذا كيف يمكننا أن نعود إلى الوراء؟ كيف يمكننا أن نرسل أطفالنا إلى هناك؟، لقد اضطررنا للمجيء إلى هنا؛ إنها مثل إبادة جماعية ثانية بالنسبة لنا”
وكمثل العديد ممن هربوا، تركت السيدة بالخيان كل ما تملكه خلفها بعد سرقة منزل عائلتها في المناطق التي يسيطر عليها “المتمردون”، على حد وصفها.
وعلى الرغم من كل شيء، بدأ اللاجئون السوريون بالتأقلم مع الحياة الثقافية في يريفان، وأدخلوا “اللحم بالعجين”، وهو صنف عربي يشبه البيتزا، إلى مطابخها كما بدأ اليرفانيون بالدخول إلى المقاهي وتدخين “النرجيلة”.
مغنية سورية تدعى رينا ديرخورنيان، مولودة في حلب تقدم مجموعة من موسيقى الجاز مع فرقتها السورية هناك أيضًا أمام حشود كبيرة معجبة بما تقوم به؛ تقول رينا إن “النزوح فرصة لبناء شيء جديد “الأرمن السوريون والسكان المحليون هنا لا يزالون بحاجة إلى المزيد من الاندماج لذلك هي فرصة لنأتي إلى هنا ونفعل شيئًا لهذه البقعة التي تدعى أرمينيا” وتضيف ” علينا التفكير بطريقة مختلفة، هذا هو الوقت المناسب لبدء شيء ما، وخاصة بوجود غالبية الشتات هنا؛ نحن بحاجة إلى البقاء”.
ترجمة عنب بلدي