أسئلة كثيرة تطرح نفسها عن مستقبل ملايين العرب الذين يعيشون في تركيا حاليا، كيف سيكون مستقبلهم هناك؟ وهل يمكن أن تتخلى عنهم الحكومة تحت ضغط الشارع والمعارضة؟ وهل يحصلون على الجنسية أم يُعادون إلى بلادهم؟ حملنا هذه الأسئلة إلى ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يُعرف عن أقطاي بأنه يحمل على كاهله هموم وأحلام العرب الذين يعيشون في تركيا، فقد سبق أن شغل منصب المسؤول عن شؤون حقوق الإنسان في حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي أول حديثه، اختار الدكتور ياسين أقطاي -وهو الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع قبل أن يكون المستشار الأول لرئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم- أن يصحح معلومة، فذكر أن العرب في تركيا ليسوا 4.5 ملايين بل يصلون إلى نحو ضعفي هذا العدد، نصفهم من الوافدين الجدد بعد ما يعرف بالربيع العربي، ولكن نصفهم الآخر هم من العرب الذين عاشوا في تركيا منذ وصل إليها الإسلام، والدكتور أقطاي نفسه واحد منهم.
وقبل أن ندخل في صميم الحوار أيضا، ذكر أقطاي أن الفلاسفة كانوا يفسرون العالم ولكن لا يغيرونه، معتبرا أن وقت التغيير قد حان، وأن الاستسلام لنظرية المؤامرة يصيب الإنسان بالفشل ويقعده عن التغيير.
واعتبر أن تجربة تركيا المعاصرة وتجربة كثير من الحركات الاجتماعية أثبتت أن هذه الأوضاع قابلة للتغيير على عكس ما يشاع، وقال إن هدف تركيا ليس السيطرة ولكن الحرية، فالحرية لا تنبع من السيطرة بل من الإقناع والكرامة.
هل هناك فعلا في تركيا ما يقارب أربعة ملايين شخص من مختلف أنحاء العالم العربي كما تحدثت سابقا؟
نعم، والآن زادوا ليصبحوا أربعة ملايين ونصف عربي، 10% ممن يعيشون في تركيا حاليا هم من العرب.
سبق أن هدد أردوغان بفتح الحدود مع أوروبا وبالتالي قد تحدث موجة هجرة جديدة، وفي الوقت نفسه حين بدأت عملية “نبع السلام” بدأ الحديث عن إمكانية عودة السوريين إلى وطنهم. أي مستقبل للعرب الموجودين بتركيا في ظل هذه المعطيات؟
انقطعت تركيا عن العرب فترة من الزمن، وكان هذا أمرا مخططا له من قبل الاستعمار الذي روج أن تركيا استعمرت العرب وفي المقابل خان العرب تركيا في الحرب العالمية الأولى، كما أشعل الاستعمار نار الفكر القومي وسط الأتراك، هذا الوضع خلق نوعا من التعصب ضد العرب، والعكس كذلك.
العولمة تخدم فكرة القومية والانفصالية، وهذا ما يفسر محاولة الدول الأوروبية ترسيخ العولمة في أذهاننا وفصل الدين عن السياسة، حتى لا نكون أمة موحدة وقوية قد تشكل خطرا عليهم.
فلو طبق الدين بشكل صحيح وكامل ما كان أحد يستطيع أن يظلم مسلما في ميانمار وغيرها، ولما استطاعت إسرائيل أن تسيطر على فلسطين، وغيرهما من الأمثلة.
هذه الفكرة وهذا التعصب الجاهلي يمنعنا من الاتحاد ومن القوة أيضا، والثقافة الإسلامية في الوقت الراهن ليست فعالة لأنها تحت سيطرة.
كقيادي في حزب العدالة والتنمية، ما الرؤية المستقبلية للحزب تجاه 4.5 ملايين عربي لاجئ وغير لاجئ؟
يعتمد هذا على التطورات في العالم الإسلامي، نحن لا نستطيع التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، لكن ننصحهم أن يكونوا أكثر احتراما لشعوبهم ومواطنيهم.
أعتقد أنه في المستقبل سيكون العالم الإسلامي أكثر انفتاحا وأكثر ديمقراطية، ولن يحتاج مواطنوه إلى اللجوء لأي بلد آخر.
وإذا ما تحسنت الأمور في كل البلدان العربية، فسيكون هؤلاء اللاجئون صلة لتحقيق التعاون والتبادل التجاري، مما سيخدم الاندماج في ما بيننا.
صدر قانون يكفل إدماج عدد أكبر من السوريين وتمكينهم من الجنسية التركية، كم عدد الذين حصلوا عليها؟
110 آلاف سوري تقريبا.
هل ناقش حزبكم أو أعد خطة لإعادة توطين السوريين في المناطق الآمنة، خاصة بعد عملية “نبع السلام”؟
لا بد من الإشارة أولا إلى أنه لن يجبَر أحد على هذا التوطين بل سيكون اختياريا، إذ لا تكفي أن تكون المنطقة آمنة، فالناس تبحث عن مستقبل، يجب أن تكون هنالك بنية تحتية ومستقبل للمنطقة.
ومن طبيعة الحال، أن كثيرا من السورين سيفضلون العودة إلى بلادهم عند توفر الظروف المناسبة، وهذا يحتاج إلى تنسيق دولي.
هل التوطين في المناطق الآمنة مشروع تركي عسكري أم اجتماعي أيضا؟
طبعا هناك شق اجتماعي أيضا. تفاجأنا كثيرا عندما انتقدت جامعة الدول العربية عملية “نبع السلام” واعتبرتها موجهة ضد العرب.
هدفنا حماية السوريين لا قتلهم، كما أنها لست ضد الأكراد. لن نسمح بأي شكل ولا لأي أحد أن يقوم بعمليات تصفية عرقية، فتركيا دافعت عن حقوق العرب في سوريا ولا تزال.
لا أستطيع الجزم بقول ما إذا كان لذلك تأثير أم لا. تركيا دولة ديمقراطية حقيقية، والشعب له رأي في السلطة، والسياسيون يأخذون بعين الاعتبار الرأي العام.
العدوان على الأجانب كان دائما ورقة تستخدم ضد السلطة، لكن ليس أمرا عاديا أن يستخدم حزب يساري هذه الورقة. الأحزاب اليسارية في أوروبا عادة ما تكون إلى جانب حماية اللاجئين وحقوقهم، وهم في معركة مستمرة مع أحزاب السلطة أو الأحزاب اليمينية بهذا الشأن، لكن ما نراه في تركيا هو العكس تماما.
لا أعتبر حزب العدالة والتنمية حزبا يمينيا، فنحن للأسف محكومون بتصنيف سياسي، وهذا التصنيف لا يطبق في الواقع التركي. حزبنا جديد وفريد من نوعه، عندنا توجهات دينية ويسارية ويمينية ومحافظة، فنحن مع حقوق العمال ومع الديمقراطية والحرية والانفتاح والتنوع.
ما العوامل التي أدت إلى تغير أجواء احتضان اللاجئين في تركيا؟
لا يزال الاحتضان قائما! الحسابات الوهمية التي تعلق ضد اللاجئين معظمها منحاز إلى حزب الشعب الجمهوري وعلمانيون متشددون. حاولوا صنع دعاية كبيرة ضد اللاجئين، ولكن تأثيرهم كان محدودا جدا. هذا أمر متوقع ولم يؤثر أبدا على موقفنا.
هل يمكن القول إن تزايد أعداد اللاجئين في تركيا أدى إلى تراجع الليرة والوضع الاقتصادي في البلد؟
لا، ليس إلى هذه الدرجة، نحن في السلطة منذ 17 سنة وهي ليست بالمدة القليلة. عندما بدأنا كان عدد أصوات حزب العدالة والتنمية 34%، والآن وصلت النسبة إلى 50%، وهذا شيء غير عادي وغير مسبوق سواء في تركيا أو في أوروبا.
هل تخول القوانين التركية الحالية اللاجئين حق الحصول على العمل؟
هذه مشكلة حقيقية نريد أن نجد لها حلا. الحكومة لها بعض المعاير والقوانين في هذا الشأن، ولا تستطيع أن تقول بشكل مباشر لأي لاجئ “أنت تمام”. اللاجئون يحصلون على استثناءات للالتحاق بالجامعات التركية.
كما أن هناك عددا كبيرا من الذين حصلوا على الجنسية التركية من خلال تملكهم للعقار داخل البلد. تركيا تمنح أيضا “بطاقة التركواز” وهي أدنى من الجنسية بقليل، إذ تخول صاحبها حقوقا كالأتراك، لكنها لا تمكنه من التصويت في الانتخابات، وتسمح له بالتجنس لاحقا.
هناك مخاوف لدى من حصلوا على جنسية استثنائية من سحب جنسياتهم في حال ما تراجعت الأصوات في أي انتخابات لاحقة لحزب العدالة والتنمية؟
سحب الجنسية ليس أمرا سهلا.
تعرضت تركيا في ظل حكم حزبكم لمحاولة انقلاب فاشلة وضربات اقتصادية، سواء من دول غربية أو عربية، لكنها ظلت صامدة. الناس تربط نجاح العدالة والتنمية بشخص الرئيس أردوغان. ما تعليقكم؟
القيادة لها دور كبير، وأردوغان له دور خاص لا أحد يستطيع إنكاره، لكن تركيا دولة مؤسسات ولن تتوقف بتغير الحاكم.
لو قرر أردوغان أن يستريح. ماذا بعد؟
كما أشرت، تركيا دولة مؤسسات، والقيادة الحالية لها دور كبير، والحزب سيستمر على نفس النهج. الحزب لديه كوادر عديدة من شأنهم تحمل المسؤولة.
في مقابلته مع الجزيرة نت حاوره: مالك عبد الله
نقلا عن: الجزيرة