ألقى اغتيال زهران علوش، قائد تنظيم جيش الإسلام، بظلاله على أجواء ما قبل المفاوضات التي ينتظر أن تبدأ أولى جلساتها بين وفد النظام السوري والجماعات المعارضة أواخر يناير القادم بجنيف.
ويرى محللون أن مقتل علوش ستكون له تأثيرات كبيرة على المعارضة السورية وعلى مساعي محادثات السلام، خاصة أنه يمتلك شبكة من العلاقات القوية بالداخل والخارج، فضلا عن براغماتيته التي كانت ترشحه لأن يكون طرفا قويا في الحرب على التيارات المتشددة.
وقال المحلل تشارلز ليستر في تغريدة على تويتر إن مقتل علوش “هو أحد أكبر خسائر المعارضة” في النزاع السوري الدائر منذ نحو خمس سنوات.
من جانبه، اعتبر كريم بيطار الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس أنه و”نظرا للطباع السلطوية لعلوش وحكمه القوي، سيحتاج جيش الإسلام إلى الوقت للتعافي من هذه الضربة ولتبرز قيادة جديدة” خلفا له.
ولفت الخبير رون لوند محرر موقع كارنيغي إنداومنت الخاص بالأزمة في سوريا إلى أن “علوش أدى بشكل ما دورا نادرا كعنصر موحد ناجح في حركة المعارضة السورية”، وبمقتله فإن هذا التماسك “قد ينهار”. كما يمكن لمقتله أن يؤثر على مساعي السلام الهشة الهادفة إلى التفاوض على حل سياسي للحرب في سوريا والتي أدت إلى مقتل أكثر من 250 ألف شخص حتى الآن.
وأضاف لوند أن “المفاوضات بحاجة إلى مشاركة متطرفين مثل زهران علوش لتكتسب مصداقية”.
واعتبر أن مقتل علوش “يمكن أن يؤثر على عملية السلام من حيث زعزعته لتنظيم جيش الإسلام وإضعافه”.
لكن مراقبين قالوا إن تصفية زهران كان الهدف منها تسهيل دخول المعارضة مرحلة “سلام الشجعان” الذي تتخلى فيه عن الشعارات الكبيرة، لافتين إلى أن السلام إذا تم ليس بحاجة إلى أشخاص أقوياء إنما بحاجة إلى أتباع طيّعين.
وتضخم الأنا والرغبة في الاستئثار بالقرار أزعج الجهات الخارجية الداعمة له، وأزعج قيادات في كتائب جيش الإسلام التي أعلنت في نوفمبر الماضي عن تنحّي زهران وتسليم القيادة لرئيس الأركان.
وتوقع علوش أن يقتل في أي معركة نظرا لمشاركته المباشرة في كل المعارك المهمة، لذلك كان ينصّب قادة ليحلّوا محله من خلال إعطائهم صفة نائب القائد أو رئيس الأركان كي لا يحدث انهيار في المعركة إذا قتل قائد المعركة، وهذا ما حدث عندما سقط علوش نفسه في المعركة الأخيرة.
وبعد ساعات من مقتل علوش عيّن مسؤولو التنظيم قائدا جديدا لهم هو أبو همام البويضاني (40 عاما) وهو مقاتل يتحدّر من أسرة مقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين من مدينة دوما في الغوطة الشرقية، بحسب ما أفاد رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وكان علوش هدفا لهجمات التشكيلات المحسوبة على الإخوان واستطاع جذب الكثير من الكتائب المحسوبة سابقا عليهم وضمّها إلى جيش الإسلام، فضلا عن استخدام الخطاب الديني لاستقطاب الشباب لجيشه بدلا من تركهم للخطاب الإخواني، مما أضعف وجود الجماعة أيديولوجيا وعسكريا في ريف دمشق.
وبنفس الطريقة فقد واجه جبهة النصرة ومنع ظهورها في مناطق تواجده من خلال شن حرب دينية عليها في المساجد والأماكن العامة، ونجح في سحب البساط من تحت أقدام الحركات الإسلامية المتشددة.
وجيش الإسلام هو أول من حمل السلاح في وجه تنظيم داعش بعد الحملة الدينية والسياسية التي بثها علوش في خطاباته سواء الدينية في المساجد أو الإعلامية وتحديدا وسائل التواصل الاجتماعي.
وعرف عن علوش ولعه بالعمل التنظيمي بشقيه المدني والعسكري، فكان جيش الإسلام أول من فتح أبوابه للضباط المنشقين عن النظام للانضمام لقيادة كتائبه المتعددة باختصاصاتها العسكرية المحترفة.
وأعطى جيش الإسلام الضباط مواقع قيادية مهنية في الواجهة بعد أن أزاح رجال الدين أو المدنيين الذين شكلوا الكتائب إلى الصف الثاني.
وأقام أكاديمية عسكرية تخرّج الكتائب المحترفة المتخصصة لتردف جيشه الذي لا يتجاوز 10 آلاف رجل، وهو مدعوم بجيش احتياطي متعدد الاختصاصات مجهز للمعارك الاستثنائية والذي لم يستخدمه حتى الآن، وهو ما سمّي جيش “تحرير دمشق” ولم يعلن عن عدده.
وعمل علوش على إنشاء عدة مؤسسات تشابه عمل الحكومة وتتولى إدارة شؤون المناطق التابعة له، وتضبط الأمن الداخلي وتسيّر شؤون الحياة اليومية من خلال الشرطة المحلية ومجالس البلدية.
وشارك جيش الإسلام، وهو الفصيل الأقوى في ريف دمشق، في محادثات المعارضة في الرياض في التاسع والعاشر من الشهر الحالي والتي انتهت بتشكيل هيئة عليا للتفاوض مع النظام.
وبسبب مقتل زهران، تعثر السبت تنفيذ اتفاق لخروج أربعة آلاف شخص بينهم أكثر من ألفي مسلح غالبيتهم من داعش وجبهة النصرة من مناطق القدم والحجر الأسود واليرموك جنوب دمشق إثر اتفاق بين النظام السوري ووجهاء تلك المناطق.
العرب