في تموز 2006 شنت إسرائيل عدواناً واسعاً على لبنان، بعد أن قام حزب الله بخطف جنديين إسرائيليين، انتهت الحرب، أعلن لبنان بلداً منكوباً، 1200 مدني سقطوا، بعيداً عن أسباب العدوان الإسرائيلي غير المباشرة على لبنان،
ومنها إسقاط حكومة السنيورة وقد تم، دعم موقف حزب الله بعد الضرر الشعبي والسياسي الذي لحق به جراء اغتيال الحريري في شباط 2005، فقد تعززت قدرات الحزب العسكرية وارتفع رصيده المحلي والعربي فاجتاح بيروت في أيار 2008، أعلن حزب الله انتصاره الإلهي، وصموده الأسطوري فقد صمد أمام أقوى آلة عسكرية في المنطقة، إعلام حزب الله اعتبر أن هذا الصمود التاريخي عرى الأنظمة العربية وجيوشها ـ باستثناء النظام السوري المقاوم طبعاً ـ ولا سيما دول الخليج، وكشف عدم رغبتها بمحاربة إسرائيل، فكيف تعجز بإمكانياتها الهائلة عما قام به حزب صغير بإمكانياته المتواضعة.
رغم أن حزب الله يعتبر (العدو الرئيس) لإسرائيل إلا أن الضاحية الجنوبية معقل الحزب ظلت عصية على المخابرات الإسرائيلية النشطة في لبنان أصلاً، فلم يُسجل أنها استطاعت اختراق الضاحية وتنفيذ أي عملية تستهدف قادة الحزب، رغم إمكاناتها الكبيرة، فقد استطاع “الموساد” اختراق دمشق واغتيال عماد مغنية، وأخيراً اللقيس القائدين العسكريين البارزين، (طبعاً ليس بهدف إزاحة العسكريين الذين يشكلون عبئاً ثقيلاً على السياسيين من جهة، والتخلص من الصناديق السوداء المتورطة بقضايا كثيرة، أهمها محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل جابر الأحمد وعملية اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري من جهة أخرى، تمهيداً لتحويل حزب الله إلى حزب سياسي بحسب الوثيقة السرية بين واشنطن وطهران أثناء غزو العراق في نيسان 2003)، كما تمكنت “إسرائيل” من اغتيال أعداء حزب الله في لبنان من كمال جنبلاط والمفتي حسن خالد ولاحقاً الحريري وجبران تويني وجورج حاوي ووليد عيدو، ثم اغتيال العميد وسام الحسن بعد مرور أربع سنوات على اغتيال زميله في شعبة المعلومات وسام عيد، كلّ هذا ولم تنجح إسرائيل باختراق الضاحية الحصينة رغم إعلان الحزب غير مرة عن اكتشاف عملاء لها في صفوف قياداته الأولى.
الثورة السورية اندلعت على غير المتوقع، تدخل حزب الله لمساندة النظام المقاوم في دمشق، بتغطية دولية وضوء أخضر روسي، حماية مرقد السيدة زينب كانت المسوغ الشرعي لتدخل الحزب، بينما كانت هذه الحجة غائبة في العراق فلم يتدخل لحماية مراقد الأئمة ولا سيما مرقد الأمام علي من الشيطان الأكبر أمريكا، لقد أظهرت الثورة السورية هشاشة الضاحية وضعف المنظومة الأمنية لحكامها، فقد استطاعت بعض الجماعات المرتبطة بالثورة بإمكانيات لا تقاس بإمكانيات إسرائيل اختراق قلعة الحزب عدة مرات وتنفيد تفجيرات بنجاح، فجأة أصبحت الضاحية مليئة بالثقوب، بعد أن كان الهواء يعجز عن النفاذ خلالها، فكيف استطاعت جبهة النصرة مثلاً ولم تستطع إسرائيل؟
إلا إذا كانت الأخيرة لم تفكر بالأصل باستهداف الحزب. البعض برّر هذا الاختراق بكون معظم عناصر حزب الله يقاتلون في سورية، نحو 10000 مقاتل بحسب جيفري وايت من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إذاً هي فرصة ذهبية أمام إسرائيل لاستغلال هذا الضعف واختراق الضاحية التي “عجزت” عنها لعقود والقضاء على “عدوها” التاريخي، فإن لم تفعل ولن تفعل فقد سقط القناع عن القناع، كانت اسرائيل تحرق لبنان إذا أطلقت رصاصة منه باتجاه الحدود، بالأمس القريب قتل الجيش اللبناني رقيباً في البحرية الإسرائيلية، إسرائيل اكتفت لأول مرة بتحذير لبنان بألا يعود لمثلها، فهي لا تريد أن تحرج بطل مسرحية المقاومة المشغول بقتل السوريين، فتأمل يرعاك الله.
محمد دركوشي – كاتب سوري