الحرب، وليس غيرها، عاصفة دمرت حياة السورين وغيرت نمط حياتهم، وجعلتهم يبحثون عن طرق بديلة يتأقلمون من خلالها مع الأوضاع الحالية، هذه الأوضاع التي رهنت حياة الناس، وتركت أمامهم القليل من الخيارات المتاحة؛ ليعيشوا حياة الحرب بكل ما فيها من تحديات وصعوبات، تعيق العيش الكريم بأدنى مستوياته، ففي سوريا ليس من المهم أن تعيش حياة رفاهية بل الأهم أن تمضي قدما في محاولة إيجاد حياة كريمة لا بأس بها.
ارتفاع أسعار الثياب، كانت نتيجة طبيعية لخمس سنوات من الأزمة التي أثرت في الحياة المعيشية للناس، كما شلت الاقتصاد بشكل شبه كامل، فقد قلّ الاستيراد للكثير من المواد الأولية والأقمشة، ما رفع من سعرها، بالإضافة إلى صعوبة تأمين الآليات التي تحتاجها معامل الثياب المتبقية، وصعوبة إصلاح القديمة.
مهند صاحب ورشة خياطة صغيرة، أوقف ورشته عن العمل لأسباب وجدها منطقية: “الكهربا قليلة ومعدومة ونضطر نشتغل المولدات يلي خربت كل الأليات يلي عندي وكل مرة بحط بتصليحهن أكتر من المردود يلي عم يطلعلي”.
ويُضاف ارتفاع أسعار المحروقات التي يتم بها تشغيل الآليات وشحن البضاعة للأسواق، إلى قائمة الأسباب التي رفعت من أسعار الملابس، كما يعد أغلاق نسبة كبيرة من مصانع الألبسة أو تدميرها بشكل كامل أو جزئي، وخروجها عن العمل جراء العمليات العسكرية في كثير من المناطق، عاملا أساسيا في ذلك الغلاء ولقلة انتاجها.
“أبو مازن” بائع في المحل يتحدث عن أسباب غلاء بضاعته: ” عم نشتري بالدولار.. ونستأجر المحل بالدولار.. وأحيانا بتصير مشاكل ع الطريق متل سرقة البضاعة، وكلو هاد عم نضيفو ع سعر القطعة…”.
وكحل لهذه المشكلة عادت مهنة الخياطة فهي من المهن التي كانت تزاولها النساء السوريات منذ القديم وبرعن بها، وعادت من جديد كحل بديل عن شراء الثياب الجديدة، من خلال تدوير الثياب القديمة التي كانت ولا تزال من المهارات التي تمتعت بها المرأة السورية، فغدت حلا فعالا لها.
“أم أحمد” أم لستة أطفال تدبرت أمور كساء أولادها هذا العام بخياطة ثياب كانت لها ولزوجها: “والله أخدت هالتياب وهالقمايش وديرتهن عند الخيّاطة.. قطع تياب جودتها عالية وأرخص وبتحكم بالموديل الي بدي ياه”.
وكما تعد ثياب البالة المحلية والمستوردة حلا آخر لهذه المشكلة، فقد انتشرت محلات البالة في أنحاء البلد فلم يعد يخلو شارع أو حي من محلات الثياب المستعملة، كما تقول “أم محمد”: “شو بتشكي البالة عم نلاقي قطع جديدة وحلوة وبسعر كتير مقبول.. فستان جديد لبنتي ب (10آلاف ليرة) اشتريت واحد ب( 1000ل)”.
حياة كريمة لا أكثر، تتأمن فيها بعض سبل الحياة مطلب كل سوري، والتأقلم مع الوضع صار فرضا لا محالة منه، الأسباب كثيرة للتضيق على هذا الشعب، والصبر له حدود أكثر وأكبر بكثير من تلك الأسباب.. وخصوصا عندما يجد الناس حلا يتلاءم مع ظروفهم المحيطة، فإن كنت سوريا فهذا يعني أنك تعرف كيف تعيش وكيف تعيد تدوير حياتك بأكملها، رغم كل شيء.
المركز الصحفي السوري- آية رضوان