عقد وفدان من الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطني سلسلة اجتماعات لهما في بروكسل أخيرًا، وذلك بدعوة من المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، وأصدر المجتمعون بيانًا عما تناولت اجتماعاتهما، وما تم الاتفاق عليه بين الطرفين. وكله لا يخرج إلا قليلاً عن نتائج الاجتماعات الثلاثة السابقة، التي عقدها الطرفان في العامين الأخيرين، والتي انعقدت جولاتها في القاهرة وباريس وبروكسل، وكرست تفاهمات وتقاربات سياسية بين الائتلاف وهيئة التنسيق، مهدت للقاء الائتلاف والهيئة في مؤتمر الرياض بمشاركة قوى وشخصيات أخرى بالمعارضة لتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، التي حصلا على عدد وازن من مقاعدها، بمعنى صيرورتهما القوة الرئيسية في المفاوضات مع نظام الأسد.
الجديد في اجتماع بروكسل لجهة المعارضة، كان قليلاً، لكن بعض نقاطه كانت مهمة، والأبرز فيه قيام المجتمعين بمناقشة المذكرة التي قدمها رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات حول مفاوضات “جنيف 3” ومستقبلها، وقد شكل المجتمعون عدة لجان للبحث والتداول حول المذكرة وموضوعات أخرى، يفترض أن تجتمع في أقرب وقت.
الأهم من النقطة السابقة في اجتماع بروكسل، محاولة بعض المشاركين في الاجتماع إخراج الاتحاد الأوروبي من تقليدية موقفه في الموضوع السوري الذي تكرس في نقطتين؛ أولهما تقديم المساعدات الإنسانية سواء الغذائية والطبية، أو المساعدة في قبول أعداد من اللاجئين السوريين الذين ضاقت بهم الظروف في سوريا أو بلدان اللجوء، وصاروا بحاجة ملحة لملاذ آمن صعب الحصول عليه، والنقطة الثانية دعم غالبية الدول الأوروبية للجهود التي تبذلها بالشراكة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لدفع عملية السلام في سوريا خطوات إلى الأمام، ومساندة المعارضة في موقفها التفاوضي من أجل الوصول إلى تسوية، توقف قتل ودمار نظام الأسد وحلفائه للسوريين وبلدهم.
أبرز الذين أداروا هذه المحاولة أنس العبدة رئيس الائتلاف الوطني، الذي ركز في الاجتماعات وفي التصريحات التي أطلقها من بروكسل، على ضرورة مشاركة أوروبية فعالة في الموضوع السوري، تتجاوز الدور الراهن، فاقترح تشكيل مجموعة “5الاثنين 27-6-20161” لحل الأزمة السورية، على غرار ما حدث في مفاوضات الملف النووي الإيراني، بحيث تكون كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا الموصوفة بأنها قلب أوروبا، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا مسؤولة مباشرة عن الحل السوري، لا أن يقتصر الأمر على كل من واشنطن وموسكو اللتين أثبتتا عدم قدرتهما – أو جديتهما – في الجهود المبذولة وفقًا لنتائج “جنيف 3″، التي وصلت إلى انسداد بفعل التشدد الروسي إلى جانب النظام، وتراخي واشنطن، وكلاهما أبعد ما يكون عن التأثر المباشر بالتداعيات السلبية للقضية السورية.
وطبقًا للوقائع، فإن أوروبا جار مباشر لسوريا عبر الشراكة في البحر المتوسط، وترتبط أغلب دولها بعلاقات خاصة، وذات عمق تاريخي مع الكيان السوري، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الأمنية، بخلاف ما عليه حال كل من الولايات المتحدة وروسيا، وليس لأي منها تماس وعلاقات عميقة مع الكيان السوري، رغم ما يقال عن العلاقات الروسية – السورية أو الأميركية – السورية.
الأمر الثاني، أن روسيا، وكذلك الولايات المتحدة، لم تتأثرا جديًا بالنتائج السلبية لتطورات القضية السورية بخلاف أوروبا، بل جعلا منها ساحة لتعزيز نفوذهما سواء العسكري الروسي أو السياسي الأميركي. فليس من لاجئين سوريين في روسيا، ولا مساعدات مهمة من الأخيرة، فيما لا يتجاوز عدد اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة عدة آلاف، وحجم المساعدات الأميركية، لا يتجاوز حجم ما ساعدت به دولاً أوروبية صغيرة، بينما كان حجم اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية في المرتبة الرابعة بعد ثلاثٍ من دول الجوار السوري، هي تركيا ولبنان والأردن.
والأمر الثالث، هو موضوع الإرهاب، فقد كانت أوروبا في السنوات الأخيرة، هدفًا رئيسيًا لنشاطات جماعات التطرف والإرهاب، وخصوصًا “داعش”، بعدما استوطنت شرقي المتوسط ولا سيما في سوريا والعراق، واكتوى عدد من الدول الأوروبية بنيران الإرهابيين وتفجيراتهم على نحو ما حصل في باريس وبروكسل، فيما أثر الإرهاب وحضور جماعاته في روسيا والولايات المتحدة أقل من ذلك بكثير.
إن العوامل السابقة كلها، تجعل من الأوروبيين، خصوصًا الدول الموصوفة ب”قلب أوروبا”، الأكثر علاقة وحساسية وفاعلية بالقضية السورية، علاقة تتجاوز ما للروس والأميركيين بالقضية، وبالتالي فإن دورهم أقل بكثير مما يفرضه الواقع، وتتطلبه المصالح سواء المصالح الراهنة أو المستقبلية. فأوروبا ليس بمقدورها أن تغير واقعها الجغرافي ولا مصالحها، التي لا شك أنه سيكون لملايين السوريين من اللاجئين تأثير عليها في المستويين الداخلي والخارجي، من حيث اتصالها مع الكيان السوري وسكانه، أيًا كان الشكل المستقبلي لهذا الكيان.
وإذا كان من الصحيح أن ثمة عوامل داخلية، منها الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية المتفاقم في غالبية الدول الأوروبية، وانقسامها في الموضوع السوري، وصعود قوى اليمين إلى السلطة في معظم الدول، والتخوف من الإرهاب الذي بات وباء القارة وهاجسها، إضافة إلى عوامل خارجية، أبرزها الهيمنة الأميركية، التي كرستها واشنطن، والصلف الروسي المتصاعد في سوريا، وقبلها في أوكرانيا، الذي لا تبعد أهدافه كثيرًا عن تخويف الأوروبيين.
لقد استتبعت الظروف الداخلية – الخارجية المحيطة بأوروبا، أن تتحول القارة إلى دور غير فاعل في الشرق الأوسط وفي سوريا على نحو خاص، وأصبحت تابعًا للسياسات الأميركية والروسية في سوريا، ومتلقيًا لتداعياتها، وخصوصًا تلك المتعلقة بالمساعدات والهجرة والإرهاب، وهو أمر إذا استمر فسوف يفاقم التداعيات على الواقع الأوروبي وعلى علاقات أوروبا مع بلدان المنطقة، الأمر الذي يفرض على الأوروبيين تغييرًا في سياساتهم ومواقفهم، وبانتظار أن يفعلوا ذلك قبل فوات الأوان.
الشرق الأوسط