الدكتور أحمد نصار
لأسباب كثيرة تريد الولايات المتحدة عقد إتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، وهناكم معلومات مؤكدة – وبعضها معلن – عن قرب عقد اتفاق بهذا الشأن! وترى دول الخليج في هذا الاتفاق خطرا حقيقيا عليهم، سيقلل من اعتماد واشنطن عليهم لموازنة النفوذ الإيراني في المنطقة ؛ الأمر الذي دفعهم لإيجاد سياسة واحدة موحدة قدر الإمكان للحصول على تطمينات من واشنطن في المقابل.
هذه التطمينات تتضمن عودة الحوثي عن انقلابهم في اليمن، ورحيل بشار عن السلطة في سوريا. وفي ضوء ذلك تحتاج السعودية إلى الانفتاح على الإخوان لموازنة الخطر الإيراني القريب، مما سيضطرهم إلى التخلي عن الانقلاب في مصر والقبول بشروط الإخوان وعلى رأسها عودة الشرعية.
من أسوأ نتائج الانقلاب العسكري الدموي في مصر أنه جعل القرار فيها خاضعا لحسابات دول الإقليم والجوار أكثر من الإرادة السياسية لمؤسسات الدولة ذاتها! أصبحت مصر منذ 3 يوليو 2013 أقرب إلى “اللبننة” – أي النموذج اللبناني – الذي يخضع القرار الداخلي فيه لمعتبرات الإقليم أكثر من قرارات الفرقاء اللبنانيين!
ومن أهم دعائم الانقلاب التي لولاها ما كان هذا الانقلاب أن يحدث هو الدعم الخليجي غير المحدود له – ولا سيما الدعم السعودي. هذا الدعم – باعتراف قائد الانقلاب نفسه – كان السبب الرئيسي في استمراره منذ 3 يوليو حتى الآن.
ومنطلقات الدول الخلييجية – باستثناء قطر – في دعم انقلاب عسكري دموي في مصر كان التخوف من نتائج تمكن الإخوان المسلمين من مقاليد الأمور في مصر، وتأثير ذلك على معادلات إقليمية تعارض مصالح دولهم – مثل حصار غزة والحرب في سوريا – أو حتى التأثير على عروشهم ذاتها التي يخشون عليها في حال نجحت الثورة في مصر وانتقال عدوى “الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة” إلى الخليج.
الآن وبعد عامين من الانقلاب، وبعد مليارات الدولارات التي قدمتها دول الخليج لقادة الانقلاب في مصر، وفي ظل ركود اقتصادي طال هذه الدول نتيجة انخفاض أسعار النفط، وفي ظل قادة الانقلاب في خلق أي مسار سياسي أو اقتصادي مقبول في مصر، بدأ التململ من الفاتورة العالية التي تدفعها هذه الدول.
هذا التململ لم يدفع قادة الدول الخليجية إلى إعادة التفكير في دعمهم لمسار الانقلاب في مصر؛ وإن دفعهم إلى إيصال رسالة قوية أن الدعم لن يستمر كما كان للأسباب السالف ذكرها!
وظن البعض أيضا أن التسريبات التي خرجت لقائد الانقلاب في مصر يسب فيها دول الخليج ويتطاول عليهم وينظر إليهم بحسد وطمع فيما في أيديهم من ثروات سيكون السبب الذي يحدث فك ارتباط بين الانقلاب وداعميه الخليجيين! ولكني أعتقد أن للأمور نظرة أخرى!
***
السبب الرئيسي الذي يحمي عروش هذه الدول الخليجية – وفي مقدمتها السعودية – هو القواعد العسكرية الأميركية في كل دول الخليج بلا استثناء. وبناء عليه فهذه الدول باقية طالما أن هناك تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية يبدأ بالقواعد العسكرية ولا ينتهي بتزويدهم واشنطن غير المتوقف من البترول “البترودولار”.
ويمكنني أن أقول بكل ارتياح أن أكثر شيء قض مضاجع الحكام الخليجيين هو معلومات مؤكدة – وبعضها معلن – عن قرب اتفاق أميركي إيراني حول الملف النووي الإيراني!
إيران التي دائما ما استغلت أميركا قوتها الإقليمية لتخويف الدول الخليجية منها وإيجاد مبرر دائم لوجود قواعدها في الخليج لحماية هذه العروش من الخطر الفارسي. ومن جهة أخرى استغلت دول الخليج طموح إيران النووي في إقناع الولايات المتحدة أن تحالفها مع الدول الخليجية هو الضمان لإحداث توازن في المنطقة! وفي هذه النقطة تحديدا كانت الدول الخليجية أقرب إلى الكيان الصهيوني وتقف معه في خندق واحد وصل إلى أقصاه في الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش الابن.
لأسباب كثيرة تريد الولايات المتحدة عقد إتفاق مع إيران، منها ما هو شخصي؛ ويرجع إلى رغبة أوباما في ترك شيء يورثه لمن بعده بدلا من سجله الخالي من الانجازات حتى الآن! ومنها تخوف الديمقراطيين من استخدام هذه النقطة ضدهم في موسم الانتخابات العام القادم، خاصة بعد سيطرة إيران على أربع عواصم عربية “دمشق – بيروت – بغداد- صنعاء”، يضاف إلى سيطرة روسيا على القرم في أوكرانيا وتراجع أميركي على كافة المستويات!
***
لأول مرة يبدو أن دول الخليج بدأت تستفيق، وتفكر بطريقة صحيحة، وبدأت ترى في الاتفاق الأميركي الإيراني خطرا حقيقيا عليهم، يدفعهم لإيجاد سياسة واحدة موحدة قدر الإمكان ضد هذا الخطر.
وبوارد التحرك الخليجي بدأت سريعا مع تولي العاهل السعودي الجديد الملك سلمان، فحدثت زيارة لولي ولي العهد محمد بن نايف إلى الدوحة، أعقبها زيارة أمير قطر للرياض، ثم زيارة أمير قطر اليوم للولايات المتحدة.
ويبدو أن الخليج يطلب تطمينات من أميركا في مقابل اتفاقها النووي مع إيران، وهذه التطمينات محددة للغاية وتشمل:
1- انسحاب الحوثي من صنعاء وعودة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيسا شرعيا لليمن.
2- رحيل بشار الأسد والدخول في عملية سياسية تضمن انتقال للسلطة في سوريا بدون بشار.
وفيما يخص البند الأول فقد اتهم جون كيري اليوم إيران بشكل رسمي بإسقاط الحكومة اليمنية. أما في البند الثاني فقد خرجت تصريحات كل من أوباما وأمير قطر عقب لقائهما اليوم في البيت الأبيض لتؤكد اتفاقهما على وجوب رحيل الأسد عن السلطة، بل أعلن أوباما أنه اتفق مع أمير قطر على الخطوات التنفيذية لحدوث ذلك!
يتبقى نقطة تعي أهميتها السعودية جيدا، وهو أنها إذا أرادت أن توازن النفوذ الإيراني المتزايد فإنها بحاجة إلى جماعة الإخوان المسلمين. ومن المستبعد أن تتقارب معهم في اليمن ضد جماعة الحوثي دون التواصل مع الجماعة الأم في مصر.
ورغم التصريحات المنفتحة من المملكة تجاه الإخوان في الفترة السابقة فإن السعودية تعلم جيدا أن للإخوان في مصر حدود لا يمكن التنازل عنها وهي عودة الشرعية. وبمقاييس المكسب والخسارة، فإن اضطرار السعودية للقبول بهذه المطالب يبدو وشيكا. لذا فمن غير المستغرب تخلي قطر وقناة الجزيرة عن سياسة مسك العصا من المنتصف وعودتها بجانب الهجوم على انقلاب الحوثي في اليمن، للهجوم المكثف على السيسي وانقلابه في مصر، بمباركة سعودية كما يبدو هذه المرة.. وهي مباركة يزيدها التسريبات التي تعطي كل يوم قادة هذه الدول مبررا للتخلي عنه!