صارت معظم الأزمات التي يستعصي حلّها عسكريًا على الجبهات الساخنة في سوريا تحتكم لاتفاقات روسية- تركية.
الحديث هنا عن منطقتين في الشمال السوري، واحدة في شرقه والأخرى في غربه، وضعت روسيا وتركيا فيهما بصمتهما، وتحولتا من بؤرة للمعارك إلى مناطق شبه هادئة، تشترك بخطوط فصل تُسيّر عليها دوريات مشتركة بين قوات موسكو وأنقرة.
فبعد أن كانت المنطقتان ساحتي قتال بين فصائل المعارضة المدعومة تركيًا و”وحدات حماية الشعب” (الكردية) وقوات النظام والميليشيات الإيرانية بدعم روسي، تحولتا إلى مناطق تخضع لاتفاقين هندسهما الروس والأتراك.
اتفاق شرق الفرات
بدأت قصة هذا الاتفاق عندما لم تجد تركيا من يستمع إلى مطالبها بإخراج و”حدات حماية الشعب” (الكردية) التي تعتبر أحد أجسام “الإدارة الذاتية” من منطقة شرق الفرات وإبعادها عن الحدود التركية، وإقامة منطقة آمنة هناك.
وجهت أنقرة عشرات النداءات إلى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بحكم الدعم الذي تتلقاه “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا من هذه الدول من بوابة التحالف الدولي، لكن لم تجد أنقرة ما يلبي طموحاتها.
لم تصبر أنقرة طويلًا بعد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا، مطلع تشرين الأول 2019، الذي فُسر من قبل “الوحدات” كضوء أخضر لتركيا، وفي 9 من الشهر ذاته بدأت القوات التركية بالزحف نحو مناطق شرق الفرات.
وبعد نحو خمسة أيام على بدء العملية العسكرية التركية التي سمتها أنقرة “نبع السلام”، سيطرت القوات التركية و”الجيش الوطني السوري” على مدينتي تل أبيض ورأس العين في ريف الرقة الشمالي، كما سيطرت على عشرات القرى بمحيط المدينتين.
استمرت تركيا بتوجيه الضربات إلى “الوحدات” سعيًا للتوغل أكثر في شرق الفرات.
كان ذلك يجري في ظل بيانات رافضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأخيرة تدخلت في 17 تشرين الأول 2019، عبر نائب الرئيس، مايك بنس، الذي توجه إلى الرئيس التركي لإيقاف المعركة.
وتمكن بنس حينها من الحصول على هدنة لـ120 ساعة من تركيا كي تنسحب “الوحدات” من المنطقة الآمنة.
لم تجد تركيا انسحابًا حقيقيًا من “الوحدات” واعتبرت أن واشنطن تعمل على كسب الوقت وإعادة سيناريو اتفاق “منبج”، وقررت استئناف المعركة، إلا أن اللحظات الأخيرة لهدنة الـ120 ساعة شهدت تدخلًا روسيا أوقف المعركة بشكل كامل.
ففي 22 من تشرين الأول 2019، وبعد مباحثات طويلة بين الرئيسن الروسي والتركي، توقفت عملية “نبع السلام” التركية، واتفق الجانبان على سحب كل “الوحدات” من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومترًا، خلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت.
وفسح الاتفاق المجال أمام قوات النظام السوري للدخول إلى مناطق شرق الفرات للمرة الأولى منذ عام 2012، ضمن تفاهمات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وبالتزامن مع بدء الانسحاب الأمريكي من سوريا.
إضافة إلى تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية “نبع السلام” بعمق عشرة كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.
إدلب.. اتفاق بعد توتر
لا يختلف كثيرًا الاتفاق الذي جرى مؤخرًا في شمال غربي سوريا بشأن وقف إطلاق النار عن الذي جرى في شرقه، فمن هندسه هم الأتراك والروس، لكنه جاء هذه المرة بعد جو مشحون بين الطرفين تطور إلى حشد كل منهما قواته في شكل من استعراض القوة.
واتفق الرئيسان أردوغان وبوتين، في 5 من آذار الحالي، على وقف لإطلاق النار في منطقة إدلب، وجاء الاتفاق في مؤتمر صحفي بين الرئيسين عقب محادثات استمرت خمس ساعات بحضور كبار المسؤولين من البلدين، في موسكو.
ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار في إدلب على خط التماس الذي أُنشئ وفقًا لمناطق “خفض التصعيد”، وإنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال والجنوب من طريق “M4” في سوريا.
إضافة إلى العمل على توفير حماية شاملة لكل السوريين وإعادة النازحين، وتسيير دوريات تركية وروسية، على امتداد طريق حلب- اللاذقية (M4) بين منطقتي ترنبة غرب سراقب، وعين الحور بريف إدلب الغربي.
وسبق الاتفاق تهديد لأردوغان بأن تركيا تريد تراجع قوات النظام السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية والانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها.
إلا أن الاتفاق ثبّت مواقع قوات النظام، ومن أهم المناطق التي سيطر عليها النظام ولم ينسحب منها، مدن خان شيخون وسراقب ومعرة النعمان وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي
نقلا عن عنب بلدي