يتوقّع خبراء من أن يمتدّ الصراع في الشرق الأوسط إلى منطقة جنوب القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية لإيران التي تبحث عن منفذ تتخلّص فيه من قيود الاتفاق النووي مع الدول الغربية وتؤكد حضورها في أبعد حد في المنطقة الإقليمية، خاصة وأن الصراع في اليمن وسوريا طال، ولا يبدو أنه، على ضوء التحركات العربية الأخيرة، سيكون وفق ما خطط له الإيرانيون.
لذلك، يؤكّد الخبراء أن لإنهاء العقوبات المسلطة على إيران نتائج مهمة في كافة أنحاء العالم، وهو أمر من شأنه أن يغيّر الوضع الراهن في الصراعات الدائرة في كل من سوريا واليمن، لكن سيكون له تأثير كبير على منطقة جنوب القوقاز التي يتوقّع خبراء مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية، أن تكون مركز الاهتمام الإيراني المقبل ويكون لعودة طهران إلى الساحة الإقليمية تأثيرات كاسحة على هذه المنطقة بشكل خاص.
ولإيران عدد من الأسباب لزيادة حضورها في الساحة الإقليمية، خاصة أن أوروبا تحاول تنويع مصادر الحصول على الغاز الطبيعي بعيدا عن روسيا. وإيران ترغب في استغلال الفرصة للاستحواذ على هذه الأسواق، لكنها تحتاج الوصول إلى جنوب القوقاز أولا.
وقد عبّرت طهران مؤخرا، عن اهتمامها باستعمال البنية التحتية الموجودة حاليا مثل خط أنابيب الغاز الأناضولي وخط أنابيب العابر للأدرياتيكي اللذين يربطان بحر قزوين والبحر المتوسط. والخيار الآخر الممكن هو بلوغ ميناءي جورجيا باتومي وبوتي على البحر الأسود وذلك عبر أرمينيا. وقد شرع المسؤولون الإيرانيون بعد في مغازلة يريفان من أجل تلك الغاية.
تصدير مواد الطاقة عبر تركيا أسهل بالنسبة لإيران، لكن العلاقات المتشنجة بين البلدين حول قضايا من بينها كيفية إنهاء الحرب السورية تجعل في نهاية المطاف الطريق الأرميني أكثر قابلية للحياة. ومؤخرا يدور الحديث عن بناء سكة حديدية بقيمة 3.7 مليار دولار وعن تمديد أنبوب لنقل الغاز بين أرمينيا وإيران. بيد أن تلك الخطة أيضا معقدة بالنسبة إلى طهران لأن “حليفتها” موسكو حاولت مرارا أن توقف مشاريع البنية التحتية الكبرى أو أن تكون مساهمة فيها حتى لا تفقد نفوذها في أرمينيا.
مقارنة الخيارات
المعركة الدبلوماسية الأخيرة حول من يلبي حاجة جورجيا المتزايدة للغاز الطبيعي هي مثال رمزي عن الوقوف أمام إيران ضد الاضطلاع بدور إقليمي أكثر نشاطا. وقد بدأ النزاع عندما أعلنت أذربيجان عن عجزها عن تلبية طلبات جورجيا للمزيد من الغاز الطبيعي فرأت إيران ذلك فرصة أمامها وقامت على الفور بالتقرّب من المسؤولين الجورجيين، حتى أنها أعلنت عن إمضاء اتفاق رسمي، لكن جورجيا قامت لاحقا بتفنيد هذه المزاعم. وهنا روسيا تقوم بدور اللاعب الصامت في هذا النزاع، حيث استخدمت أرمينيا لتعطيل محاولات لنقل الغاز الطبيعي إلى السوق الجورجية عبر إما بناء خط أنابيب جديد أو تمديد أنبوب قديم.
ودفع العائق الروسي إيران إلى البحث عن مسالك لتجنب أرمينيا، وتفكر طهران حاليا في بناء خط حديدي بقيمة 400 مليون دولار يربط إيران بجورجيا مرورا بأذربيجان، الخصم الإقليمي لأرمينيا. وسيمتدّ رواق النقل الشمالي الجنوبي هذا من إيران إلى موانئ البلطيق الروسية ويحظى بالأولوية على أي خطط نقل عبر أرمينيا، وهو أمر يبرهن عليه نسق بناء السكك الحديدية من إيران عبر أذربيجان ليربط مع فرع السكك الحديدية الروسي في شمال القوقاز.
ستحاول أيضا إيران أن تتدخل أكثر في صراع ناغوني كراباخ. وفي المراحل الأولى من النزاع على الأراضي حاولت التوسط بين الطرفين لكن القوات الأرمنية خرقت الهدنة، وتعمل أذربيجان الآن على تغيير الأمر الواقع على خط الاتصال، بينما تجد إيران الفرصة سانحة لحشر نفسها في المشهد الجديد.
وفي 22 يناير عرضت وزارة الخارجية الإيرانية وساطتها في الصراع بما أن إمكانية حل الخلاف ستجعل من السهل على طهران تنفيذ مشاريعها في مجال البنية التحتية في المنطقة. ومن المفترض أيضا أن يقوض تدخل طهران هيمنة روسيا في مسار المفاوضات، وبالرغم من أن هناك إمكانية نظرية لتعاون موسكو مع طهران، فإن هذا السيناريو مستبعد الحدوث نظرا لمعارضة روسيا الشديدة لأي تحركات إيرانية إلى قطاعات الطاقة الأرمينية والجورجية. ومن ناحية أخرى، بما أن قوى دولية أخرى تحاول زيادة تدخلها في هذا الصراع، يمكن أن ترى موسكو في طهران شريكا قيما للوقوف في وجه النفوذ الخارجي.
الاعتبارات العسكرية
هناك تناغم بين الأولويات العسكرية لكل من روسيا وإيران إذ يقلق الجانبين تزايد التعاون العسكري بين جورجيا وتركيا وأذربيجان ويتخوفان من توسع محتمل لحضور الحلف الأطلسي في جورجيا. وتعلم طهران وموسكو أنهما تحتاجان إلى الاستعداد لمثل هذا التهديد عبر بناء علاقاتهما العسكرية الإقليمية، ونتيجة لذلك تريد إيران إنشاء مسلك مباشر نحو روسيا. لكن يصعب تحقيق ذلك من الناحية السياسية نظرا إلى أنه يستبعد أن تسمح جورجيا وأذربيجان وتركمانستان بعبور المعدات العسكرية الروسية عبر أراضيها. وأحد المقترحات لتجنب المشكل تماما يتمثل في استخدام بحر قزوين بمثابة طريق عبور.
وفي الآن نفسه يهتم الجانبان بالصراع الدائر حاليا في سوريا ويعمل كلاهما على تأمين طريق بديل للجنود الروس إلى سوريا، وبالفعل رصد مركز ستراتفور في السنتين الماضيتين كن كثب شبكة متوسعة من مشاريع الطرقات والسكك الحديدية الروسية والإيرانية حول بحر قزوين وعبر جبال القوقاز.
وبينما ستزيد إيران من نشاطها السياسي في المنطقة، ومن معاملاتها التجارية مع كل بلد من بلدان جنوب القوقاز، فهي بالأكيد ستواجه عوائق كبيرة على طول الطريق. من غير المحتمل أن تقوم روسيا بفك قبضتها على أرمينيا عن طريق السماح بمضي مشاريع البنية التحتية الإيرانية الكبرى في مجال الطاقة قدما، إلا إذا سمحت إيران بمشاركة روسيا فيها بشكل معتبر.
وبالرغم من أن طهران ستسعى إلى الدخول من جديد في الصراع الخاص بقضية ناغوني كاراباخ، ستعمل روسيا على الحد من تدخلها أو ربما التصدي له، الأمر الذي يتوقّع تقرير لمعهد بروكينغز الأميركي أن ينتج توترا جديدا في جنوب القوقاز، وهو ما تتابعه تركيا، عن كثب وأيضا يرى خبراء أن على السعودية والولايات المتحدة أن تراقباه أيضا لأنه سيكون مصدر قلق كبير إذا ما تمكّنت إيران من بسط نفوذها وتدخّلت على طريقتها في هذه المنطقة الجغرافية السياسية التي تقع على حدود أوروبا الشرقية وجنوب غرب آسيا.