روسيا تدرك أن استمرار الوجود الإيراني في سوريا من شأنه أن يعرقل عملية السلام في ظل وجود فيتو غربي عليه.
دمشق – قالت طهران الاثنين إنه لا أحد يستطيع أن يجبرها على مغادرة سوريا، في ما بدا تحدّيا لموسكو التي دعت إلى خروج جميع القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية، لإنجاح العملية السياسية في هذا البلد الذي تحول إلى ساحة حرب على النفوذ بين قوى إقليمية ودولية.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي “وجودنا في سوريا هو بناء على طلب من حكومة ذلك البلد وهدفنا هو محاربة الإرهاب”، مضيفا أن إيران “ستواصل مساعداتها لسوريا طالما هناك خطر للإرهاب، وطالما أن حكومة ذلك البلد تريد من إيران مواصلة مساعدتها”.
وحول ما نُقل عن مسؤولين روس بشأن انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، قال قاسمي “لا يمكن لأحد أن يجبر إيران على القيام بذلك؛ لأن لدينا سياسات مستقلة خاصة بنا”.
أثارت التصريحات الروسية بضرورة خروج القوات الأجنبية بمن فيها الإيرانية من سوريا غضب طهران، التي سارعت للرد بالقول إنه لا أحد يستطيع إجبارها على الخروج لأنها جاءت بدعوة من الحكومة، وهذا أول صدام علني بين الطرفين، ويعكس في واقع الأمر مدى هشاشة تحالفهما على الأرض السورية
وأضاف في مؤتمر صحافي “وجودنا في سوريا هو بناء على طلب حكومة ذلك البلد، وهدفنا هو محاربة الإرهاب”. وتابع “من عليهم مغادرة سوريا هم الذين دخلوا إلى هذا البلد دون إذن من حكومتها”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال خلال اجتماع عقده مع نظيره السوري بشار الأسد، في سوتشي الخميس الماضي، إنه بعد بدء العملية السياسية في البلاد “لا بد من إخراج القوات الأجنبية من سوريا”.
وفي تفسير لكلام بوتين حول الأطراف المعنية بالمغادرة أوضح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، أن “الحديث يجري عن جميع الوحدات العسكرية الأجنبية المتواجدة في سوريا بما في ذلك الأميركيون والأتراك وحزب الله، وبالطبع الإيرانيون”.
وهذا أول صدام علني بين الحليفين الروسي والإيراني، ويقول مراقبون إن الأمر كان متوقعا فرغم أن الجانبين في الخندق ذاته الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد، بيد أن لكل طرف حسابات تتعارض ومصالح الأخر.
وتدرك روسيا أن استمرار الوجود الإيراني في سوريا من شأنه أن يعرقل عملية السلام في ظل وجود فيتو غربي عليه، وأن بقاء إيران وميليشياتها يعني إمكانية تدمير المكاسب التي حققها تدخلها منذ العام 2015 في سوريا، والتطورات الأخيرة المرتبطة بالهجمات الإسرائيلية على مواقع سورية تؤكد مشروعية المخاوف الروسية.
ويبدو أن النظام السوري نفسه يتبنى وجهة نظر روسيا حيث إنه يريد هو الآخر حسم الأزمة ويعلم أن ذلك لا يمكن تحقيقه بتحدي الإرادة الغربية، رغم الانتصارات العسكرية التي حصدها خلال السنوات الأخيرة.
وكان الرئيس بشار الأسد قد رحب خلال لقائه الأخير بنظيره الروسي في سوتشي بدعوة بوتين إلى إطلاق عملية سياسية جادة لإنهاء الصراع، وأبدى استعدادا لإرسال وفد إلى الأمم المتحدة للبحث في تشكيل اللجنة الدستورية المعنية بالعمل على صياغة القانون الأساسي في سوريا على أساس عملية جنيف وتحت إشراف المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا.
وذكر موقع “تابناك”، المحسوب على أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، أن النظام وموسكو اتفقا على ما يبدو على إقصاء طهران، مقابل إشراك الدول الغربية في الحل السياسي للأزمة السورية.
وأشار الموقع الإيراني إلى أن قبول موسكو والنظام بالعودة لمفاوضات جنيف يدل على توافقات مع الدول الغربية حول إنهاء النزاع في سوريا بطرد إيران وميليشياتها.
بدورها رأت صحيفة “شرق” الإصلاحية الإيرانية أنه بالرغم من أن روسيا تواصل مفاوضات أستانة حول سوريا بمشاركة إيران وتركيا، لكن يبدو أنها عازمة على حل الأزمة في سوريا بمشاركة الدول الغربية، وذلك “بإقصاء إيران والضرر بمصالحها في سوريا”.
وذكرت الصحيفة أن التقارب بين روسيا والغرب يمكن ملاحظته من خلال الدعوة إلى سحب كافة “القوات الأجنبية” من سوريا، بما فيها ميليشيات إيران وحزب الله والقوات التركية، أي يجب أن يذهب الجميع، وأن تبقى القوات الروسية فقط في سوريا.
وانخرطت إيران منذ العام 2012 في الأزمة السورية عبر إرسال المئات من عناصر الحرس الثوري الإيراني وميليشيات تابعة لها وعلى رأسها حزب الله اللبناني، وذلك لدعم الرئيس بشار الأسد، وأيضا لتكريس موطئ قدم ثابت لها في سوريا يعزز مشروعها التوسعي في المنطقة، ويربطها بالبحر الأبيض المتوسط عبر ما يسمى بـ”الحزام الشيعي”.
ويقول محللون إن الموقف الروسي من استمرار الوجود الإيراني، ليس فقط وليد الرفض الغربي، بل أيضا لأن موسكو لن تقبل بأن يزاحمها الإيرانيون على النفوذ في سوريا، وهي بالطبع لا تريد تكرار خطأ الإدارة الأميركية في العراق.
ويشير هؤلاء إلى أن موسكو لم تعارض إلا نادرا القصف الإسرائيلي على مواقع يفترض أنها قواعد عسكرية تابعة لإيران وميليشياتها، وأن الانتقاد الوحيد المسجل حينما قصفت إسرائيل مطار تيفور العسكري لخشية موسكو من إمكانية أن تتدحرج الأمور إلى منزلق خطير يهدد ما تحقق في سوريا.
ويلفت المراقبون إلى أن الأزمة السورية حسب الروس بلغت منتهاها وأنه بعد عودة النظام وسيطرته على معظم المدن وتأمينه لمحيط العاصمة دمشق بات من الضروري إطلاق العملية السياسية مع ضرورة تقديم تنازلات، طبعا لا تأخذ من حصتها وإنما من حصة الأطراف الأخرى ومن بينها الحليفة إيران. وأعلنت قيادة الجيش السوري الاثنين سيطرتها بالكامل على العاصمة ومحيطها بعد “تطهير” أحيائها من تنظيم الدولة الإسلامية، معلنة أن هذه المناطق باتت “آمنة بالكامل”.
ويأتي ذلك بعد هجوم واسع بدأه الجيش في 19 أبريل ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر في العام 2015 على القسم الأكبر من مخيم اليرموك وأجزاء من أحياء الحجر الأسود والتضامن والقدم المجاورة. وقال متحدث عسكري في بيان بثه الإعلام الرسمي إن وحدات الجيش تمكنت من “القضاء على أعداد كبيرة من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي ما أدّى إلى إحكام السيطرة التامة على منطقة الحجر الأسود ومخيم اليرموك، وقبلها يلدا وببيلا وبيت سحم”.
وتابع “هذا ما يتوّج تطهير جميع بلدات الغوطتين الغربية والشرقية تماما من رجس الإرهاب” ليعلن باسم قيادة الجيش “دمشق وما حولها وريفها وبلداته مناطق آمنة بالكامل وعصية على الإرهاب ورعاته”.
وجاء بيان الجيش بعد ساعات من خروج آخر مقاتلي التنظيم المتطرف من الأحياء الجنوبية بموجب اتفاق إجلاء برعاية “روسية”، أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان، من دون أن يأتي الإعلام السوري الرسمي على ذكره.
المصدر : العرب