نشرت صحيفة”إندبندنت” تقريرا لمراسلتها في بيروت بيثان ماكرمان، حول المعركة الجارية بين قوات الأمن السعودية والمسلحين الشيعة في بلدة العوامية شرق البلاد، حيث سجلت الصحيفة شهادات عن الظروف التي يعيشها السكان هناك.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن العوامية، التي تعود إلى أربعة قرون في محافظة القطيف، ويعيش فيها حوالي 30 ألف مواطن معظمهم من الشيعة، محاصرة منذ أيار/ مايو، بعدما فشلت محاولات إخراج محتجين من البلدة القديمة فيها، وتحولت إلى مواجهة عنف مع قوات الأمن.
وتقول ماكرمان إنها نقلت عن ناشطين تحدثوا عن موت 25 شخصا على الأقل بسبب القصف ورصاص القناصة، مضيفة أن الناشطين زودها بصور عن دمار حل بمباني البلدة وخراب للمصارف الصحية، “بشكل يذكر بالمشهد في سوريا، التي تعيش حربا أهلية، وليس بلدا خليجيا نفطيا”.
وتعترف الصحيفة بأنه من الصعب التأكد من المعلومات القادمة من العوامية؛ نظرا لعدم السماح للصحافة الأجنبية بدخولها، أو الاقتراب من الحزام الأمني المفروض على البلدة، ما يعني اعتماد الصحافة على الإعلام السعودي الذي يتعرض لرقابة شديدة، ومواقع شيعية يشك بمصداقيتها، وتعليقات أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن الصور المروعة للجرحى والدمار الذي حل بالبيوت لا يمكن التأكد منها.
ويلفت التقرير إلى أن الصورة، التي رسمها باحثون وسعوديون تحدثت معهم الصحيفة، بينهم مسلح داخل المدينة المحاصرة وناشطان من المؤيدين للعوامية يعيشان في الخارج، تصف الوضع الذي تعانيه البلدة، حيث قال المسلح المعارض للحكومة داخل العوامية: “كنت محتجا سلميا، وكلنا في العوامية كذلك، حتى قررت الحكومة تصنيفنا مطلوبين إرهابيين؛ لأن كل ما طالبنا به هو الإصلاح، ولأننا لا نخشى النظام فقد تم استهداف المدينة كلها”.
وتذكر الكاتبة أن الناشط المسلح زعم أن قوات الحكومة داهمت بيته في بداية الحصار، وضربت زوجته، وصوب عناصر الأمن السلاح على ابنته البالغة من العمر خمسة أعوام، ورفعوا ابنه البالغ من العمر 8 أشهر، وهددوا برميه على الأرض، ويقول: “قالوا لابنتي الصغيرة: سنقتل والدك ونرمي رأسك بين رجليك”، ويضيف: “لا خيار أمامنا، فالدفاع عن حياتنا ونسائنا واجب، لقد دمروا بيوتنا بالقنابل والأسلحة الثقيلة والـ(آر بي جي)، والكل صار مستهدفا”.
وتفيد الصحيفة بأنه تم حصار العوامية قبل ثلاثة أشهر، عندما رفض السكان تنفيذ أوامر الأمن، الذي أحضر الجرافات ومعدات البناء الأخرى لهدم المنطقة القديمة وإعادة بنائها، لافتة إلى أن المنطقة شهدت سلسلة من أعمال العنف منذ ثورات الربيع العربي عام 2011، وترى الرياض أن المحتجين هم في الحقيقة إرهابيون يريدون زعزعة الاستقرار، ويجب وقفهم عن استخدام المباني المهجورة في العوامية والطرقات الضيقة مكانا للتخفي والاختباء.
وينوه التقرير إلى أن الصحافيين ومراقبي حقوق الإنسان يجدون صعوبة في تحديد هوية المسلحين، وكيفية وصول الأسلحة لهم، وعددهم، لافتا إلى أن المصادر المسلحة في داخل المدينة رفضت التعليق على عدد المقاتلين، أو أصول القوة المقاتلة.
وتبين ماكرمان أن المؤيدين للعوامية كانوا أقل صراحة عندما تم الضغط عليهم لتقديم معلومات حول طبيعة وهوية المسلحين، لكنهم يتفقون أن محاولة الحكومة تدمير الحي القديم فيها هي محاولة للقضاء على المعارضة المسلحة فيها وللأبد، حيث يقول الباحث في “هيومان رايتس ووتش” حول الشرق الأوسط آدم غوغل: “لقد وثقت النزاع في السعودية من قبل، لكنني لم أشهد احتجاجات كهذه من قبل، ولا شيء بهذه الطبيعة العسكرية”، ويضيف أن “التفاصيل قليلة، لكن ما هو واضح هو المواجهات العنيفة بين الدولة وأبناء المدينة في الوقت الحالي، وهذا أمر غير مسبوق”.
وتورد الصحيفة نقلا عن سكان في البلدة، قولهم إنهم يخافون مغادرة منازلهم؛ بسبب القصف ورصاص القناصة، رغم قطع التيار الكهربائي والماء عنها، ما يتركهم دون مياه صحية صالحة للشرب أو مكيفات هواء في الحر الشديد.
وينقل التقرير عن ناشط مقيم في أمريكا، قوله: “الكثير من الناس خائفون، لدرجة أن يتم ترك الجثث في الشوارع لعدة أيام”، حيث لا تستطيع سيارات الإسعاف أو النظافة الدخول للبلدة؛ بسبب توقيفها على نقاط التفتيش، بشكل يساهم في الوضع الذي لا تحسد عليه، منوها إلى أن العوامية هي بلد نمر النمر، الذي أعدمته السعودية بتهم الإرهاب العام الماضي.
وتورد الكاتبة نقلا عن مدير المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان في برلين علي الدباسي، قوله إن المواجهة الحالية لا يمكن التعامل معها من منظور طائفي فقط، وكان قد هرب من البلاد عام 2013 بعد اعتقاله وتعذيبه، وأضاف: “عندما قتلوا الشيخ النمر فإنه أعدموا معه 4 شيعة آخرين، و43 من السنة، فهناك أمور أخرى غير الطائفية، وأعتقد أنهم يقمعون أي منطقة معارضة، وكل ما يريدون عمله هو إفراغ البلدة وإنهاء الاحتجاج”.
وتشير الصحيفة إلى أن السلطات السعودية أصدرت يوم الجمعة أمرا جديدا لسكان البلدة، وطلبت منهم المغادرة عبر طريقين حددتهما، ورفع الأعلام البيضاء، وترافق الأمر مع مواجهات شديدة، قالت الصحافة السعودية إن سبعة قتلوا فيها.
وبحسب التقرير، فإن الناشطين يتهمون الحكومة بإطلاق النار بطريقة عشوائية على السكان، وهو ما تنفي الرياض حدوثه، ويقول الناشط المقيم في الولايات المتحدة إن نسبة 90% من السكان المحليين فروا، وإن هناك ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف لا يزالون داخلها، لافتا إلى أن الأمم المتحدة شجبت في أيار/ مايو خطط التطوير، واتهمت الحكومة السعودية بمحاولة تهجير السكان قسرا، دون تقديم بديل جيد للسكن لهم، في عملية تهدد “التراث التاريخي والثقافي للبلدة، وتسبب ضررا لا يمكن إصلاحه”.
وتختم “إندبندنت” تقريرها بالقول إن العالم لا يزال غير مدرك للمشكلات التي تأكل شرق السعودية، ويقول الدباسي: “هذه أزمة، ولا أحد يعلم بها، رغم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت”.
عربي 21