في التاريخ أسئلة يجيب الحاضر عنها… وأحداث جرت يمكن ان تفسّر أحداثا تجري الآن… ربما يتغير الشكل والاسم قليلا، لكنّ المغزى واحد. الإسلامو فوبيا حملة تتصاعد كجزء من حرب ذات صبغة دينية. وتصبح شعارا انتخابيا وورقة سياسية لشن حروب. وفي كل الحروب هناك اصفافات دوليّة وتوافقات مقابل اصفافات معاكسة وخلافات…
مزاج العالم يتجه نحو الحرب والعنف. ثورات العالم العربي جاءت شرارة خطر في مناطق استراتيجيّة للصراع؛ فأشعلت حروبا مضادة لها، وقامت بتحريك حروب أوسع من الإقليمي إلى العالمي، واصطفافات وتحالفات، لعلّ أبرزها الحرب على الإرهاب التي اتخذت مسارها الأوسع في سوريا والعراق.
على الرغم من التوافق على إسقاط الثورة السوريّة تحت مسمى الحرب على الإرهاب؛ فهناك تداعيات سياسية وتأثيرات شديدة لما يحصل في سوريا، على دول الجوار، وعلى العلاقات الدوليّة؛ فسوريا أصبحت مشكلة دوليّة وساحة صراعات دوليّة، يعاد فيها بناء أحلاف إقليمية وعالمية، ورسم حقبة جديدة للعلاقات، حيث يحل منطق الهيمنة الباطش مكان القانون الدولي وحقوق الإنسان والديمقراطية. اللاعبون في المشهد السوري كثيرون. أمريكا وروسيا وإيران وتركيا والأنظمة العربية؛ لكنّ تركيا في مخاطر حقيقية، لا يمكن القفز عنها بسهولة من دون الاستخدام الأمثل للورقة السورية، والتحكم بتداعياتها الدّاخلية والخارجيّة. لا مفر من مواجهة التحديات التاريخية بحسم وحزم، حتى لو أدى لتورط عسكري وسياسي أكبر وأشد؛ فالخسائر مهما كانت فادحة الآن، ستقلل، حتما، من كوارث مستقبليّة تتصاعد مع إيقاع قرع الطبول المتصاعد.
أمريكا بالإدارة الجديدة، تسعى للتفرّد والهيمنة، بخطاب عنصري واستعدائي. من شأنه تصعيد الخصومة وتأجيج الحرب في المنطقة. وروسيا التي تصدرت المشهد السوري سياسيا وعسكريا في غياب قوة تردعها، مخلّفة دمارا ضخما على المستويين الإنساني والمدني بالتشارك مع نظام الأسد وميليشيات إيران، قد تضطر لمواجهة أعباء واقع دولي صعب. روسيا، أحدثت فوضى كبيرة في سوريا وأساءت لسمعتها بما اقترفته من جرائم، واستمرارها في الحرب السورية مكلف، ليس فقط عسكريا، بل سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا، فتحاول جهدها إنهاء الأمور بما يحمي مصلحتها. تقاربها مع تركيا وتعاونهما في الملف السوري، أنتج بعض الحراك الإيجابي لكليهما؛ لكنّه ليس بمنأى عّن الركود والتراجع فما يجمعهما من مصالح قد يبقى مجرد حدث مؤقت، معرض لأن يقطعه الموقف الأمريكي لاحقا مع في حال تغيّره؛ فتجد تركيا نفسها كعضو في الناتو مضطرة لمراجعة موقفها، كذلك روسيا التي يهمها من تركيا ما يخدم مصالحها، ومواجهة النفوذ الأمريكي والغربي.
الأمور تقود نحو الاستقطاب بشكل حاد. وقد لا ينفع التعامل بسياسة تصفير المشاكل، وتجاوز الخلافات الإقليميّة بتمتين العلاقات وفق المكاسب الاقتصاديّة وتعزيز الاستقرار. عدم الحسم والتركيز على مسائل جزئيّة، لن ينجح في بناء السلام والأمن في هذا الظرف التاريخي. تركيا تحمّلت عبء حرب كبيرة على سوريا، وساندت ثورة الشعب السوري سياسيا وإنسانيا، حتى مع اتهامها بمساعي احتوائها لمصلحتها، ودعمتها إغاثيا وإعلاميا؛ وفي محاربة داعش؛ لكنّ ماشاب مواقفها السياسية برأي أطياف سوريّة مختلفة، من اضطراب وتناقض وتلكؤ في الحسم رغم رفعها لشعارات كبيرة، وقيامها بمعارك عسكريّة مهمّة، ظلّت محدّدة ولهدف محدد، أثار امتعاضا وخيبة وتساؤلا في المصداقيّة، فهي تتحاشي التورّط في حرب أوسع تدفع فيها خسائر أكبر، لذلك سعت لاحتواء الوضع بالتسوية السياسية، بين أطراف الحرب:روسيا وإيران والنظام وفصائل الثورة والمعارضة؛ لكنّ ذلك زاد انقسامات الفصائل وصراعات المعارضة، ومع أنا روسيا اعترفت بالفصائل؛ لكن كازاخستان عجز في تحقيق حلول سياسية مقنعة للجميع، وما زالت الحرب على الشعب السوري مستمرة.
الثورة السورية وضعت تركيا في اختبار مصيري خارجي وداخلي، وزادت في تأجيج الإشكاليات الكبيرة داخل الهوية التركية. المجتمع التركي حقق نعمة العيش في ظل النمو والازدهار والتماسك الاقتصادي الذي جمع أطيافه، لكن في حال تضرر الاقتصاد التركي قد تتصاعد المشاكل بصراعات داخلية، خصوصا، في غياب مشروع فكري سياسي جامع تسير عليه تركيا، ويحميها في حال تعمّقت الحرب الإقليمية، وامتدت لتركيا، لا سيما بوجود عصابات عسكرية مجاورة لها، مدعومة سياسيا وماليا من إيران المتوسّعة في المنطقة والتي تعتمد على قاعدة فكرية جامعة، ومشروع فكري سياسي تتوسّع على أساسه في الشرق العربي؛ جنوبا وغربا بمحازاة تركيا، وله موالون وأعوان وداعمون. فإيران خصم خطير لدول المنطقة كلّها، تستثمر دعم روسيا العلني في سوريا والدعم الأمريكي السابق في العراق، وتستغل ذلك لإزاحة أي منافس إقليمي؛ وأي خلل خارجي في وضعية العلاقات الإقليمية والدولية القائمة قد يؤثّر في تركيا ويؤذيها.
تركيا في تاريخها الطويل خاضت حروبا وواجهت صراعات كثيرة، وكانت نقظة جذب وشد بين الشرق وروسيا والغرب، وخسرت حروبا وكسبت حروبا، وهي الآن جغرافيا وسياسيا في قلب المعركة السورية التي يدفع السوريون في مآسيها ثمنا كبيرا؛ لكنهم اللاعب الأهم في المنطقة. لذلك العمل بتشاركية مصيرية مع الشعب السوري في معركته ضد النظام وحلفائه، يدعم قوة تركيا.
د. سماح هدايا – ترك برس