بعد تخرج أبنها الوحيد من كلية الطب البشري في جامعة القاهرة المصرية ك ثالث على تصنيف باقي الطلاب ومعاناته كمغترب ومهجر من أرضه وبلده التي كان له الحق بالدراسة في جامعاتها بسبب خروجه ومناصرته هو وأهله للثورة السورية .
لتروي أم أحمد ” للمركز الصحفي السوري” عن عرقلة ذهابها لمصر لحضور حفل تخرج ابنها الوحيد .
كانت الفرحة تتراقص من عينيها وهي تخبرني بأنها ستسافر إلى مصر لتحضر حفل تخرج ابنها البكر أحمد من كلية الطب من جامعة القاهرة .
وقد فرحت لفرحها, ذلك أنني أم وأعرف تلك اللذة التي يشعر بها الأهل عند نجاح أولادهم, ففرحة النجاح ليس كمثلها فرحة, وخصوصاً عندما يشعر الأهل أن مشواراً طويلاً من العناء قد انتهى وأن حياة جديدة من العطاء والإنتاج والاعتماد على النفس قد بدأت.
تمنيت لها سفراً موفقاً, وحملتها سلاماتي وتبريكاتي للدكتور أحمد الذي استعد لاستقبال أمه فرحاً بزيارتها, ربما بصورة أكبر من فرحه بتخرجه, كيف لا وهو الطالب الذي ابتعد عن حضنه الدافئ وذاك الصدر الحنون ليستطيع بناء مستقبله بجد واجتهاد؟!
لم يكن يخطر على بالي بأن أراها في اليوم التالي أمامي, استفسرت منها مستغرباً : لماذا مازلت هنا ؟ أليس من المفروض أن تكوني في القاهرة الآن؟
ـ أجابتني وابتسامة خائبة تترسم على شفتيها : ليس لي نصيب في هذا على ما يبدو!
ـ سألتها : لماذا؟
ـ قالت هل نسيت أننا سوريون ؟
ـ قلت : وما المشكلة في ذلك؟
ـ قالت: ظهر أنني أحتاج تأشيرة لدخول مصر.
ـ سألت باستغراب: ألم تعلمي بذلك إلا الآن؟
ـ قالت: بلى وأنت تعلم أنني سافرت قبل الآن, ولكن القانون كان يستثني النساء اللواتي بلغن الأربعين من التأشيرة وكذلك الرجال فوق الخمسين, أما بعد تطبيع الحكومة المصرية مع نظام الأسد فكان علينا كسوريون الحصول على التأشيرة الذهاب حتى نستطيع الدخول, ولو كنت أعلم ذلك لتقدمت بطلب لها, فهي تحتاج أربعة أسابيع حتى تصل, وطبعاً لن أستفيد شيئاً لأن حفل التخرج سيكون بعد بضعة أيام فقط.
لم أعد أذكر ماذا قلت لها في محاولة للتخفيف عنها, فحتى مثل هذه اللحظات القليلة من الفرح أمامها ألف عقبة وعقبة.
هل سنستمر في معاقبة هذا الشعب الصامد طوال عمره فقط لأنه تعرض للظلم ؟ لا أقصد طبعاً التهجير القسري ولكني أقصد عدوان احتلال الأسد , فجريمة التهجير التي مازال السوريون يدفعون ثمنها كل يوم والتي تزيدها التعقيدات الروتينية بروزاً وقساوة في كل مناسبة يقف فيها أحدهم أمام دائرة رسمية لإجراء معاملة ما من أي نوع, متى سنكون عوناً لهم على صمودهم, وليس سيفاً مسلطاً على رقابهم يذكرهم بمصيبة فقد الوطن في كل لحظة؟
فأم أحمد واحدة من اللاتي كانوا يطمحنَّ لحضور حفلات أبنائهنَّ والوقوف بجابنهم في فرحهم ونجاحاتهم في جامعاتهم ومشاريعهم ، فكانت ضريبة الخروج بوجه الظلم والوقوف أمامه عقبة لتحقيق إحدى أفراح السوريين ..
أحمد .. لاتحزن لأنك لن تجد أحداً حولك في هذا اليوم المميز في حياتك.
أم أحمد.. لا تحزني لأنك لن تقفي بجانب ابنك في يوم جني ثمار تعب سنين طويلة
أيها السوريون في كل مكان… لا تحزنوا لأنكم محاصرون أينما كنتم .
فغداً سترسمونه كما تشاؤون رغم كل الظروف من تهجير وقتل وسفك للدماء وسترون الحرية والعدالة يوماً ما في مستقبلٍ قريب ..
بقلم : محمود معراوي