إعلان موسكو: خارطة طريق روسية تركية إيرانية لسورية

تبدو روسيا في سباق مع الوقت لمحاولة فرض “تسوية” سورية بمعاييرها مستغلة التطورات الميدانية والسياسية، والغياب الأميركي الكامل عن المشهد في فترة انتقالية بين إدارتين، مع قرب استكمال تهجير شرقي حلب، إضافة إلى اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف، للحديث عن زيادة استهدافها لـ”الإرهابيين” في سورية. وجاءت اللقاءات التي شهدتها موسكو، أمس، على مستوى وزراء الخارجية والدفاع في روسيا وتركيا وإيران، لتخرج بإعلان عن التوصل لبيان مشترك يتضمن إجراءات سياسية لتسوية الصراع السوري.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن موسكو وأنقرة وطهران مستعدة لوضع اتفاق بين النظام السوري والمعارضة، ولأن تكون أطرافاً ضامنة لتنفيذه، موضحاً في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه التركي مولود جاووش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف بعد محادثات ثلاثية، أن “أطراف الاجتماع توصلت لبيان مشترك يتضمن إجراءات سياسية لتسوية الأزمة السورية”. وأضاف لافروف: “لدينا رأي مشترك مفاده أنه يجب احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها بشكل كامل. وهناك أيضاً رأي مشترك في أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للأزمة السورية”.

وكان لافتاً ما نقلته وكالة “رويترز” عن لافروف أن روسيا وإيران وتركيا اتفقت على أن الأولوية في سورية هي “محاربة الإرهاب وليست الإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد”. وتابع قائلاً إن روسيا وإيران وتركيا “تعترف بالدور الهام للأمم المتحدة في جهود تسوية هذه الأزمة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وأضاف الوزير الروسي أن هذه الدول عازمة على مواصلة محاربة تنظيمي “داعش” و”النصرة”، معتبراً أن العمل الذي تقوم به روسيا وإيران وتركيا في مجال تسوية الصراع السوري هو الأكثر فعالية في سبيل تحقيق هذا الهدف. لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أنه “لا يجوز التخلي عن نتائج الجهود الروسية الأميركية لتسوية الأزمة السورية”، مضيفاً أن روسيا وإيران وتركيا تدعو الدول الأخرى للانضمام إلى جهودها لتسوية الصراع. واعتبر لافروف أنه من الضروري توسيع نطاق نظام وقف إطلاق النار في سورية، مضيفاً أن الجهود التي بذلتها روسيا وتركيا وإيران في حلب “سمحت بإجلاء أغلبية المدنيين وإخراج مسلحي المعارضة من المدينة”. ولفت إلى أن الدول الثلاث أكدت التزامها بإتمام عمليات الإجلاء من مدينة حلب، وبلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، ومضايا في ريف دمشق. وأعلن لافروف أن عملية “إجلاء حلب” ستستكمل خلال يومين على الأكثر، مشيراً إلى أن روسيا وإيران وتركيا “استخدمت نفوذها حتى يتحقق الإجلاء” وإن المجموعة الدولية لدعم سورية لم تتمكن من تنفيذ قراراتها. وكان لافروف قد استبق اللقاء الثلاثي بالقول إنه لا رحمة “للإرهابيين” في سورية بعد قتل السفير الروسي في تركيا، معتبراً أن اغتيال كارلوف جعل الحوار بين أنقرة وموسكو أكثر إلحاحاً.
إعلان موسكو
وفي وقت لاحق، نشر مضمون “بيان موسكو” الذي نص على اتفاق أن الدول الثلاث على “احترام سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية كدولة ديمقراطية علمانية متعددة الأعراق والأديان”. واعتبر البيان أن “لا وجود لحل عسكري للأزمة في سورية”، انطلاقاً من الأخذ بعين الاعتبار “القرارات التي صدرت عن المجموعة الدولية لدعم سورية وإزالة الحواجز أمام تطبيق الاتفاقات الواردة في هذه الوثائق” في إشارة إلى القرار 2254 الأميركي الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول 2015، وينص على تنفيذ “بيان جنيف (2012) ودعم بيانات فيينا (2015) الخاصة بسورية، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع على قاعدة أن الشعب السوري هو من سيحدد مستقبل سورية” وعلى مفاوضات “على وجه السرعة بين ممثلي النظام والمعارضة السورييْن بشأن مسار الانتقال السياسي، على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع يناير/كانون الثاني 2016 بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة”، محدداً ضرورة إجراء “انتخابات حرة ونزيهة على أساس دستور جديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة”. وقد حدد القرار المذكور مجموعة “بنود إنسانية” تتحدث عن بالسماح “فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، ولا سيما في جميع المناطق المحاصرة”، وهي البنود التي تمسك وفد المعارضة السورية في جنيف بتنفيذها قبل الشروع في مفاوضات سياسية.
من جهته، أكد جاووش أوغلو، ضرورة أن يعم نظام وقف إطلاق النار في سورية كافة أراضي البلاد، من دون أن يشمل “المجموعات الإرهابية”، موضحاً أن الحديث يدور عن تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”.

وأشار الوزير التركي إلى وجود مجموعات أخرى في سورية متحالفة مع النظام، مثل “حزب الله” اللبناني، قائلاً في هذا السياق: “لا يجب الإشارة إلى مجموعة واحدة أو طرف واحد، من الضروري أن تنفذ جميع الأطراف وقف إطلاق النار”. وتحدث جاووش أوغلو، في هذا الصدد، عن “ضرورة وقف الدعم لحزب الله”، مضيفاً: “أعتقد أنكم فهمتم جيداً ما قلت لكم”. وأعلن أن العملية العسكرية التركية لطرد تنظيم “داعش” من الحدود السورية متواصلة حول بلدة الباب، وأن تركيا ليس لديها أجندة خفية.
من جهته، أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن طهران وموسكو وأنقرة “تتعهد بمحاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة والمجموعات المتحالفة معهما بصورة مشتركة، وكذلك بفصل هذه التشكيلات عن المجموعات المعارضة الأخرى”. وقال ظريف إن الدول الثلاث اتفقت، خلال الاجتماع، على مواصلة بذل الجهود والتعاون في هذا الاتجاه. وأمل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في سورية، معتبراً أنه لا يوجد حل عسكري للصراع السوري بل حل سياسي. وفي مؤشر على استعجال روسيا لحسم سريع لصالح النظام، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن خبراء من روسيا صاغوا وثيقة “إعلان موسكو” التي ترقى إلى خارطة طريق لإنهاء الصراع السوري، وأنه يأمل أن تدعم تركيا وإيران الوثيقة. وأضاف شويغو بعد اجتماعات مع نظيريه الإيراني والتركي في موسكو أن الوثيقة تهدف إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في سورية. وقال: “كل المحاولات السابقة للولايات المتحدة وشركائها في سبيل الاتفاق على تصرفات منسقة كتب لها الفشل. ليس لأي منهم نفوذ حقيقي على الوضع على الأرض”.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الاجتماع الثلاثي في موسكو بالغ الأهمية، لأنه اجتماع بين القوى الفاعلة والمؤثرة على الأرض، مع إدراك تركيا أن روسيا تحاول أن تستثمر سياسياً في المنطقة بعيداً عن الهيمنة الأميركية، فيما تحاول إيران تنفيذ مخطط إيديولوجي تُجري من خلاله تغييراً ديموغرافياً في المنطقة، لكن تركيا حريصة على إفشاله”، مشيراً إلى أن “إيران وافقت بالأمس على إجلاء المدنيين مقابل إجلاء سكان من الفوعة وكفريا، وهي لا تريد الاصطدام مع الدول بل لديها مخطط استراتيجي سيتسبب بأزمة إنسانية”.
وأضاف كاتب أوغلو: “تركيا ترى أن القوة الفاعلة على الأرض هي روسيا، وتعتبر أن تعقيد الوضع في سورية سيؤدي إلى انفجار طائفي ستنتشر نيرانه في كل المنطقة وهي معنية بهذا الأمر لما قد يشكله من أزمة إنسانية”. واعتبر أن الولايات المتحدة والغرب “هم من يقومون بذبح الشعب السوري من خلال مواقفهم الخادعة للمعارضة، كما أن أميركا دعمت تأسيس دولة كردية في شمال سورية قامت تركيا بإفشالها”. وعن المفاوضات السياسية التي يمكن أن تستضيفها كازاخستان حول الصراع السوري، قال كاتب أوغلو: “ربما تكون هناك تحفظات لدى المعارضة على الاجتماع بسبب سعي الروس لزج معارضة محسوبة على النظام، ولكن في المقابل روسيا تعلم أن تركيا لديها أوراق قوة مع المعارضة الفاعلة سواء العسكرية أو السياسية، فتركيا تواصلت مع المعارضة المسلحة لوقف إطلاق النار والمعارضة التزمت”، لافتاً إلى أن الهدف الأول هو الوصول لوقف إطلاق نار شامل.
تهجير متسارع
في موازاة ذلك، تسعى قوات النظام السوري والمليشيات لإعلان “انتصارها” في حلب بعد تهجير أهاليها، مع استمرار تنفيذ اتفاق “إخلاء” المدينة وفق المرحلة الثانية من الاتفاق بين المعارضة السورية وممثلي روسيا وإيران في حلب.
وأفادت مصادر لـ”العربي الجديد”، بأن قوات النظام والمليشيات وجّهت، أمس، إنذارات عبر مكبّرات الصوت في محيط المنطقة المحاصرة في مدينة حلب، طالبت فيها المعارضة بالإسراع في إخلاء المنطقة، مهددة باقتحامها مع نهاية يوم أمس. لكن وكالة “رويترز” نقلت عن مسؤول من المعارضة يعيش في تركيا تأكيده أن مقاتلي المعارضة لن يغادروا المدينة إلا بعد أن يخرج منها كل المدنيين الذين يريدون المغادرة. وتواصلت عمليات إجلاء أهالي حلب أمس، وأفادت مصادر محلية بأنّ دفعة جديدة من بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب خرجت باتجاه مناطق النظام في حلب. وكانت قد وصلت، فجر أمس، دفعة من المدنيين ومقاتلي المعارضة إلى ريف حلب الغربي بعد خروجها من الأحياء المحاصرة في مدينة حلب. وضمت الدفعة قرابة عشرين حافلة، وذلك في إطار المرحلة الثانية من الاتفاق. ومن المتوقع خلال الساعات المقبلة أن يتم إجلاء كل من تبقى في الأحياء التي تحاصرها قوات النظام والمليشيات الطائفية في مدينة حلب في حال لم تحصل أية معوّقات. وأكد مسؤول التفاوض عن المعارضة السورية، الفاروق أبو بكر، لـ”العربي الجديد”، أن “عملية الإجلاء متواصلة، وتجاوز عدد الذين تم إجلاؤهم منذ بدء العملية أكثر من 24 ألف مدني، بينهم مئات الجرحى والمرضى”. ولفت إلى أنه “لا بد من وقوع بعض الأخطاء من قبل الجانبين خلال عملية الإجلاء، فليس من السهل إخلاء آلاف المدنيين بطريقة بسيطة”، مشيراً إلى أن “هناك بعض العوائق لكننا نعمل على حلها”. كما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمس، أن عدد الأشخاص المحاصرين الذين تم إجلاؤهم من حلب بلغ 25 ألفاً منذ بدء عملية إخراج المدنيين والمقاتلين يوم الخميس. فيما قال وزير الخارجية التركي عبر “تويتر”، إنه تم إجلاء 37500 شخص في المجمل من مدينة حلب حتى الآن، وإن الهدف هو استكمال كل عمليات الإجلاء بحلول اليوم، الأربعاء. وفيما تقترب عملية تهجير حلب من نهايتها، أعلنت الأمم المتحدة أن موظفيها المحليين والدوليين الموجودين في مكتب المنظمة في دمشق سيسافرون إلى حلب “في أسرع وقت ممكن”.
العربي الجديد

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist