ثلاثة أيام مرت على الانفجار الذي هز مدينة بيروت وعشرات الأهالي لا يزالون يبحثون عن أقاربهم، ينتقلون من مشفى إلى آخر، يتجمعون في أقرب نقطة من المرفأ موقع الانفجار، يناشدون المسؤولين ولا إجابة واضحة حتى الآن، ولا سيما بالنسبة لهؤلاء الذين اختفوا داخل المرفأ من عمال وموظفين، إذ يشكو بعض أهاليهم من عدم البدء بالحفر أو العمل لساعات قليلة فقط بحجة انقطاع الكهرباء أو عدم وجود آلات حفر أو حتى انتهاء الدوام الرسمي.
أميلي حصروتي هي واحدة من هؤلاء، فأخوها غسان لا يزال مع زملائه تحت الأنقاض داخل المرفأ حيث تقول إن الحفر لم يبدأ «بحجة غياب الكهرباء وغياب معدات رفع الأنقاض» كما كتبت على حسابها على «تويتر»، مضيفة أن «العائلة عرضت وتعرض استئجار معدات على نفقتها الخاصة»، فكل ما تريده العثور على أخيها، أقله رأفة «بأمها السبعينية المريضة التي تعيش حالة صعبة جدا».
أرشدونا من أين نبدأ
وجع أميلي لا يقل عن وجع شفيق والد الشاب عماد زهر الدين (39 عاما) الذي فقد أيضا داخل المرفأ ولا يزال ذووه يبحثون عن أي خبر عنه.
«أعدهم أن أقف مكتوفا وأهز برأسي فقط لأخبرهم أن هذه الجثة لابني» بهذه العبارات يتوجه شفيق إلى المعنيين طالبا منهم الدخول إلى المرفأ حيث ابنه، مضيفا «لماذا يمنعوني من الدخول. هذا ابني هناك آلاف يدخلون وأنا لن أفعل شيئا سوى البحث عن ابني».
يروي والد عماد لـ«الشرق الأوسط» كيف يقف في أقرب نقطة من المرفأ منذ فقدان ابنه منتظرا أي خبر عنه، وكيف يهرع كلما خرجت سيارة إسعاف فيوقفها ويسألها إن كان تم انتشال أي جثة أو عثر على أحد حي.
لا يترك هذا الوالد المرفأ حيث عمل ابنه لحوالي عشرين عاما إلا للذهاب إلى المشافي، ينتقل من مشفى إلى آخر ولا يجد أي إجابة واضحة، يقول «يخبروننا أن هناك جثثا في المستشفيات ولم نترك مشفى إلى واتجهنا إليه، لا يسمحون لنا بالتعرف على الجثة، لم يجروا لنا تحليل الحمض النووي» مضيفا «يقولون لنا إن الطبيب الشرعي يجب أن يرى الجثة قبل، هل يعرف الطبيب ابني».
يروي كيف يدور بحلقة مفرغة كيف يتصل على الخط الساخن لوزارة الصحة ولا يحصل على جواب شاف، يقول والبكاء أذهب صوته «فقط أخبرونا من أين نبدأ ونحن سنبحث عن أبنائنا، الجمرة لا تحرق إلا مكانها» يأخذ نفسا يرتاح برهة ويضيف «لا ألوم أحدا، ولكن ليس من السهل دخول المشافي حاليا، نحن نبحث بلا وجهة، ننتقل على الدراجة النارية بسبب زحمة السير وقطع الطرقات بالركام».
لا ينكر شفيق تسليمه بفرضية أن يكون ابنه قد توفي إذ يردد بين الحين والآخر عبارة «نحن أناس مؤمنون والموت علينا حق» ولكنه يريد فقط خبرا يقينا، ربما حتى ولو كان محزنا كذاك الذي وصل إلى ذوي حسن الذي عاد إلى ذويه بعد يوم من اختفائه جثة. «لم يعد مفقودا» يقول أحد ذويه مضيفا في حديث مع «الشرق الأوسط» «وجدناه أمس صباحا كان تحت الأنقاض في المرفأ، لقد فارق الحياة، ولا أملك ما أقوله».
سارة عادت بعد 10 ساعات
رغم الوجع والخوف الذي يكبر مع كل لحظة لا يسمع فيها أهالي المفقودين خبرا عن أبنائهم يبقى الأمل موجودا، فلعل الغائب يعود كما عادت سارة إلى ذويها.
لا يعرف ذوو سارة (12 عاما) كيف مر ليل الحادث عليهم، فابنتهم نزلت قبيل الانفجار بدقائق إلى الدكان ولم تعد. «تصورنا جميع السيناريوهات. سمعنا أخبارا مفجعة عنها، قالوا لنا إنها توفيت ولم نجد اسمها بين الضحايا، قالوا لنا إنها في غرف العمليات ولكننا لم نجدها في أي مشفى في بيروت، فكرنا ربما تكون جالسة تحت الأنقاض تنتظر من يسعفها أو تنتظر أن تهدأ الفوضى لتعود» تقول شقيقتها في حديث مع «الشرق الأوسط».
سارة والتي تقيم في منطقة سن الفيل أخذها الانفجار أثناء تواجدها في الشارع الساعة السادسة مساء، ولا تعرف كيف، إلى منطقة أخرى قريبة (سد البوشرية) فوجدت نفسها بجانب منزل ذوي صديقة مدرسة قديمة كانت تعرفها منذ سنوات وانقطعت علاقتها بها، احتضنها ذوو صديقتها وبحثوا عن ذويها وعند الساعة الرابعة فجرا استطاعوا الوصول إلى ذويها وإعادتها إلى منزلها، كما تروي شقيقتها قائلة: «وجدنا سار فجرا، عادت لنا الحياة، كانت جائعة ومصدومة، لا تعرف ماذا حصل، تناولت طعامها وخلدت إلى النوم».
نقلا عن الشرق الأوسط