ساعة واحدة كانت تكفي أهالي داريا، للتنقل بين أغلب أحياء المدينة سيرًا على الأقدام، داخل بقعة صغيرة استغنى معظم سكانها عن وسائل النقل في ظل انعدام المحروقات، إلا أن انتقالهم إلى مدن وبلدات الشمال السوري، وضعهم في مناطق واسعة مجهولة المعالم، لم يسبق أن سمعوا بها سوى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي في ظل الثورة.
يعتمد اليوم أهالي مدينة داريا في التنقل بين بلدات ومدن إدلب وريفها، على خدمة تحديد المواقع “GPS”، ويرون فيها أفضل وسيلة بديلة عن وسائل النقل التي يطلب أصحابها أسعارًا “باهظة” على حد وصفهم.
ويشير دراهم في حديثه إلى عنب بلدي، إلى أن الخدمة استُخدمت داخل داريا في وقت سابق لأغراض عسكرية، أكثر من استخدامها للتنقل، مردفًا “يعرف الجميع ذلك فقد استخدمها المقاتلون عبر برامج لتحديد نقطة بداية ونهاية الأنفاق، وأثناء حفرها وتحديد مسارها، إضافة إلى استخدامات أخرى”.
في مدن وبلدات الشمال التي تمتد على عشرات الكيلومترات، شغلت خدمة تحديد المواقع حيزًا من حياة أهالي داريا، وخاصة مع الاعتماد على برامج تدعمها دون الاتصال بالإنترنت، مثل “Maps.me”، ويقول دراهم إنها سهلت اختيار الطرق الأنسب للوصول إلى المكان المطلوب، “فأي قرية نريد الذهاب إليها نبحث عنها على البرنامج ونتبع الطريق الأسهل الذي يحدده، وهذا ما يقلل من خطورة الضياع والاقتراب من الأماكن المقنوصة أو خطوط الجبهة”.
مشاكل في التنقل
علاء يحيى، شاب من مدينة داريا، يتنقل يوميًا بطريقة “التقطيع” بين قرى ريف إدلب، كما يسميها أهالي المنطقة، وهي إيقاف السيارات الخاصة التي تمر في الطرقات، ودفع أجور مخفّضة لمالكيها مقابل إيصالهم في طريق مسير السيارة نفسه.
يقول يحيى لعنب بلدي إن سيارات النقل العامة معدومة، وبالتالي نلجأ إلى “التقطيع” كما يفعل أهالي المنطقة، مشيرًا إلى أن “بعض الحواجز أبدت تعاطفها مع أهالي داريا، وخاصة في التنقل لمسافات بعيدة، إذ تؤمّن وسيلة نقل منخفضة التكاليف، كبديل عن سيارات الأجرة، التي تطلب أجورًا باهظة”.
ليس التنقل بين القرى سهلًا بالنسبة لأهالي المنطقة، إلا أن المرور عبر حواجز فصائل “الجيش الحر”، يبدو أكثر صعوبة في نظر الأهالي، باعتبارهم لا يحملون وثائق تثبت شخصياتهم، وخاصة في ظل الخلافات والاقتتال بين بعض الفصائل، ما دفع السجل المدني المسؤول عن أهالي داريا، لمنحهم إخراجات قيد، تتيح تنقلهم بدون مشاكل، وفق سعيد أبو العبد، مدير السجل المدني في داريا.
ولفت أبو العبد في حديثه إلى عنب بلدي أن مقاتلي لواء “شهداء الإسلام”، منحوا بدورهم “هويات مؤقتة”، تسمح بمرورهم على جميع الحواجز، معتبرًا أن “الحواجز تبقى المصدر الأكثر أمانًا للدلالة على الطرقات، وخاصة أنهم على دراية أكبر بالأماكن المحظورة وخطوط الجبهات”.
ورغم رواج الخدمة بين أهالي المنطقة ومنهم سكان داريا، إلا أن بعض الذين استطلعت عنب بلدي آراءهم، وجدوا فيها “ضررًا” أكبر من نفعها، معتبرين أن الكثير من التطبيقات “يمكن أن تدخل إلى نظام التشغيل وتتفعل دون أن يشعر بها صاحب الهاتف، وهنا يمكن أن يستخدمها النظام في المراقبة وتحديد الموقع واستهدافهم”.
غادر أهالي داريا مدينتهم في 26 آب الماضي، داخل باصات خضراء توجهت بهم إلى الشمال، لتصبح المدينة فارغة بالكامل، بعد حصار دام أربع سنوات أدار المجلس المحلي فيها شؤون المدينة، بمكاتبه المدنية والعسكرية، في تجربةٍ هي الأنجح على مستوى الثورة السورية، ورغم توزعهم في إدلب وريفها إلا أنهم يشتاقون إلى طرق اعتادوا المرور فيها يوميًا، غدت رؤيتها صعبة المنال في الوقت الراهن.
عنب بلدي