يعيش أهالي مدينتي حمص وحماة وسط سوريا أوضاعا مأساوية وصعبة مع العواصف الثلجية في ظل انعدام وسائل التدفئة ولوازمها من جهة، وغلاء أسعار بعضها إن توفر من جهة أخرى.
وتصف أم حسن حال أسرتها المكونة من أربعة أطفال بأنها لم تشهد ولم تسمع بأسوأ مما هي عليه الآن، فمنزلها البسيط، وهو عبارة عن ملحق في بناء سكني في ضاحية الباسل في حماة، لا يكاد يقيها برد الشتاء ومياه الأمطار.
والأكثر من ذلك أن المنزل غير مسقوف، واضطرت لوضع سقف من صفائح حديدية لتقي أطفالها الأمطار والثلوج المتساقطة منذ بداية فصل الشتاء، لكن ذلك لم ينفع مع العاصفة الثلجية التي تهب على مدينة حماة منذ سبعة أيام، خاصة أن المنزل خال من أي مدفأة، ولديها غطاءان فقط قدمهما لها الهلال الأحمر عند وصولها للمدينة، ليكونا السبيل الوحيد للدفء لها ولأطفالها رغم وصول درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في ساعات الليل.
وبالكاد تستطيع أم حسن -التي توفي زوجها في قصف للنظام على ريف حمص- بعملها في تنظيف بعض البيوت السكنية تأمين سعر إيجار المنزل (عشرة آلاف ليرة سورية أي 25 دولارا)، علاوة عن الطعام والشراب لأسرتها، أما شراء المحروقات كمادة المازوت -الذي وصل سعر اللتر الواحد منها إلى 230 ليرة سورية- فهو عندها أشبه بالمستحيل، وكذلك شراء ألبسة صوفية لأطفالها.
همها الوحيد أن تؤمن لأطفالها مأوى دافئا يقيهم برد الشتاء ويخفف عن أسرتها الأمراض المصاحبة للبرد من زكام ووجع مفاصل. ولا يختلف حال أم حسن عن آلاف العائلات من الفقراء والنازحين في حماة بسبب غلاء كل شيء من اللباس والأغطية إلى المحروقات بجميع أنواعها.
أحد مسؤولي النشاط الإغاثي في حماة قال للجزيرة نت إن هناك ما يزيد عن عشرين ألف عائلة بحماة بحاجة لجميع مستلزمات التدفئة، خصوصا مع العاصفة الثلجية التي تعيشها مدينة حماة ودرجات الحرارة المتدنية في ساعات الليل، وأن الأغطية التي وزعت عليهم من مساعدات المنظمات الإنسانية سبيل التدفئة الوحيد لدى آلاف العائلات.
المسؤول نفسه أشار إلى أن احتكار ضباط النظام السوري ومسؤولي الأمن في محافظة حماة لمواد المحروقات مثل المازوت رفع أسعارها من مئة ليرة سورية إلى 230 ليرة للتر الواحد. وتحتاج العائلة الواحدة لأكثر من 200 لتر في الحد الأدنى في مثل هذه الأجواء والطقوس الجوية الباردة، وهو ما لم يمكن توفيره للعائلات الفقيرة التي يبقى أملها في الناشطين الإغاثيين في توفير أغطية صوفية جديدة ومدافئ حطبية.
ولا يختلف حال حمص القابعة تحت سيطرة النظام عن حماة، ويتحدث الناشط كريم الميداني في مدينة حمص عن عائلات مشردة تفترش أرصفة الطرقات داخل المدينة لافتقادهم منازل تؤويهم وسط غلاء أسعار الإيجارات.
وفي أجواء البرد القارس، يضيف كريم، هناك أطفال يعملون في الطرقات في تنظيف السيارات على إشارات المرور، وفي بيع العلكة والخبز في أحياء المدينة بلباس بالكاد يغطي أجسادهم النحيلة، مشيرا لمئات الحالات المرضية بالزكام الشديد، وآلام البطن المزمنة لدى الأطفال دون العاشرة جراء البرد القارس وانعدام وسائل التدفئة لدى العائلات الفقيرة والنازحة من ريف حمص إلى المدينة.
أما كبار السن، خاصة من تجاوزوا الستين عاما، فيعانون من مشاكل التنفس وحالات الربو والاختناق جراء استخدام بعض العائلات لمدافئ الحطب وحرق النايلون والألبسة القطنية كوسيلة تدفئة.
ويقول أبو أحمد، وهو أب لعائلة فقيرة في مدينة حمص، إنه عمد في الآونة الأخيرة مع بدء العاصفة الثلجية لحرق ألبسة عائلته الصيفية في مدفئة قديمة استطاع تأمينها من عائلة أخرى، لغلاء ثمن الحطب ويحتاج لما يقارب 9000 ليرة سورية (22 دولارا) في الشهر، وهو مبلغ يصعب تأمينه، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة بالمدينة، وغياب فرص العمل.
ويختم الرجل بأن الأطفال لم يعودوا يحلمون إلا بمدفأة تقيهم قر البرد في ظل نظام حول الطعام والشراب والدفء إلى مجرد أحلام يصعب تحقيقها لدى المواطن السوري.
المصدر : الجزيرة