” استعجلت يا زوجي الرحيل .. رحلت وتركتني.. و يا ليتك ماتزال هنا فقد اعتاد هذا القلب والعمر عليك.. وارتبطت حياتي بوجودك وفرحي بابتسامتك وحزني بهمك وشرودك عني.. فلما ابتعدت عني.. اختنق العمر بأكمله!!”
تلك كلمات أم أحمد البالغة من العمر50 عاماً بعد أن استشهد زوجها عن عمر يناهز 60 عاماً أثناء خروجه مع أهالي محافظة إدلب للتظاهر بعد صلاة العشاء من المسجد القريب من بيته, خرج ضد ظلم النظام وطلباً للحرية، ورغم سلمية المظاهرات إلا أن النظام كان يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين، وقد استقرت رصاصة في صدر أبي أحمد الرجل المسن أودت بحياته .
تحولت المظاهرة لجنازة شهيد كان منذ لحظات يهتف بالحرية, خيم الحزن العميق داخل الزوجة وتمنت له جنان الخلد ومرتبة الشهداء عند من لا يُظلم عنده أحد. ومع مرور الوقت وازدياد معاناة السوريين بدأت الهجرة إلى دول الجوار، ولجأ الشباب للهجرة ومن بينهم ابنها أحمد، ودع أمّه.. وهو يقول” عذراً منك يا أمي أريد أن أكمل دراستي عن طريق منظمات في تركيا وسأعود يوماً لأعيد بناء وطني… كان الله في عوننا” وغدر ولم أره حتى اللحظة.
تحكي أم أحمد لجاراتها قصة وحدتها” أحاول الحصول على حياة عادية، لكن غالباً لا يكون لدّي أي شيء محدد أفعله.. حياتي اليومية تتضمن الطبخ والأعمال المنزلية …آه كم اشتقت لأطفالي متحلقين حول الصحون على المائدة، واستعجالهم لي لأسرع بإعداد الطعام.. لم يعد لدي طعم ولا لون في حياتي.. فراغ كبير سكن قلبي؛ فلا زوج يشاركني همومي وأحزاني ولا أبناء يملؤون عليّ بيتي فرحاً وسروراً، سيطر على حياتي حزن وألم شديدان يعتصران قلبي، فالحزن هو أن لا تجد من يشعر أنك حزين، ولا تضع رأسك على صدره فيدفئ قلبك البائس”.
أصبحت أم أحمد مثلها مثل الأمهات اللواتي يعانين من الوحدة بسبب قساوة الحرب في سورية، وفقدانها للأحباب، فقد صار من واجبها الاعتماد على ذاتها وتأمين متطلبات الحياة بمفردها.. تُربت ابنة جارتها التي تشاركها أحزانها وترملها، وتقاسمها وحدتها على يد أم أحمد برفق وبصوت دافئ..” كلنا ولادك يا أمي…مش رح نتخلى عنك”.
صنعت أم أحمد قهوة الصباح وفيها رائحة الأمس الجميل.. دمدمت بحرقة قلب ” هاتي الجوال لنشوف أخبار الأولاد ” حين شاهدت حالة الواتس أب قرأت حالة ابنها “لست بخير، أفتقدك وكأنني أفتقد حياتي بكل ما فيها ….أفتقدك يا أمي ” دمعت عينا الأم قائلةً” وأنا مثل حالك يا بني”، التفتت إلى صور أبنائها المصفوفة الواحدة تلو الأخرى إلى جانب الزوج الشهيد بجانب وسادتها قائلةً” اشتقت لأشخاص كانوا يوصونني بأن أنتبه لنفسي كثيراً، يا ليتني أستطيع أن أخبرهم أني فقدت نفسي عندما غابوا…!!
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد.