لم يستطع جسد محمد <اسم مستعار > ذي الأربعة عشر عاماً، تحمل تلك الرصاصة الغادرة التي اخترقت جسده ، ليسقط ممداً على الأرض ويظن الجميع بادئ الأمر أنه فارق الحياة.
يقول محمد “هالإصابة صرلا سبع سنين وكم شهر كبرتني عشرين سنة، حملت قلبي ثقل الجبال، سبع سنين أنا وإصابتي بحرب.. عم قاومها حتى ما تهزمني ”
كان محمد طفلاً مفعماً بالحماس والعنفوان، لم يترك مظاهرة خرجت في أحياء حلب إلا وكان يتقدمها محملاً على الأكتاف، حتى بعد تحرير المناطق الشرقية من مدينة حلب بقيت حنجرته تصدح بأهازيج الثورة في المظاهرات واحتفالات المدرسة وأنشطتها المسرحية.
إلى أن جاء ذاك اليوم المشؤوم الذي غيّر مجرى حياته وانتزع منه سكون الروح وهدأة النفس.
كان ذلك في صيف عام ألفين وأربعة عشر حين كان محمد يلعب مع أصدقائه خلف ساترٍ عند دوار صلاح الدين، ليتسلل قناصٌ غادر ويطلق رصاصةً توسطت جسد محمد، نقل على إثرها إلى المشفى ومنها إلى تركيا لخطورة الإصابة.
كان بإمكان ذلك القناص السادي أن يطلق رصاصته برأس محمد، وينهي حياته، إلا أنه أراد بوحشيته أن يسقطه جريحاً يواجه مستقبلاً مجهولاً من الآلام والعجز، يقول محمد “كيف اجتك الجرأة تطلق رصاصتك بجسد طفل بريء عم يلعب مع رفقاته، شو هالحقد اللي دفعك تنهي مستقبل طفل بكل دم بارد”
لم تستطع كل الجهود الطبية أن تنقذ محمد من عجزٍ دائمٍ شلّ أطرافه السفلية، ليصحو ويجد نفسه قعيد كرسي متحرك.
لم يستطع محمد تحمل الصدمة ودخل في حالة اكتئاب مع مراحل العلاج اللامنتهية، ليبدأ رحلة البحث عن أمل.. أمل بالشفاء وتجاوز المحنة.
عاد محمد إلى حيه الثائر، وبسبب انقطاعه عن المدرسة والظروف النفسية المؤلمة التي كان يعانيها دفعه ذلك لترك المدرسة التي طالما كانت وسيلته بالوصول إلى حلمه بالنجاح والتفوق.
مرت الأيام والشهور على محمد كوقع السهام بالصدر، يلهث فيها باحثاً عن أملٍ بالشفاء والوقوف على قدميه مجدداً، إلا أن حلمه لم يكتب له النجاح، ولم تساعده الظروف التي مرت بها المدينة من حصارٍ وتهجيرٍ، ليستقر به المطاف في ريف حلب الغربي.
هناك قرر محمد أن لا يستسلم وأن ينفض الغبار عن آلامه ليكافح ويحقق حلمه بالعودة إلى مقاعد الدراسة، فتقدم لامتحان الشهادة الإعدادية ونجح فيها بمجموعٍ ممتاز، ليبدأ بذلك فصلاً جديداً من حياته يطوي فيه مامرّ يه من أحزان.
يقول محمد: “الله أنزل هالبلاء علي منحة منه واصطفاء رح ضل قاتل حتى حقق حلمي، ورح يجي اليوم اللي وقف فيه ع رجليي وحطم هالكرسي المتحرك”
محمد الآن، ورغم الظروف المعيشية القاسية التي يعانيها من نزوحٍ إلى آخر، إلا أنه يحضّر ليتقدم لامتحان الشهادة الثانوية، يحتاج إلى يدٍ حانية تعينه على تجاوز العقبات، فهو يقطن في قرية نائية يصعب التنقل فيها والوصول إلى المعاهد التعليمية وخاصةً أنه يتنقل بكرسي متحرك على أزقة وعرة تعرضه لخطورة السقوط.
ينهي محمد حديثه والثقة والإصرار تملآن عينيه العسليتين: “رح استمر ومارح أندم اني بيوم من الأيام صدحت حنجرتي ضد هالنظام المجرم.. رح يبقى روح هالثورة متأجج بصدري حتى حقق حلمي بالنجاح والنصر”
يحلم محمد أن يحقق النجاح بمجموع يؤهله دخول كلية الطب، فجلّ حلمه أن يصبح طبيبا يسهم في إنقاذ أرواح الأطفال والأبرياء من آلة القتل الأسدية.
تالا الفحل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع