تحت وطأة الانكسار، حطمت آمالها لسعات الصقيع، تعيش حلما تنتظر من يساندها لتحقيقه تبحث عن حضن دافئ يضمها بحنان، تناشد كتاباتها أن ترأف بروح عذبها ذاك الخذلان من الصديق والفراق من الأحبة، تفتش عن جرعة محبة صادقة بعيدا عن قسوة الظروف والتجارب فقد نالت روحها من صفعات الأفعال ما نالت تجهش بالبكاء على جراح لم تلتئم بعد.
إنه يوم الاحتفال بعيد الأم يوم 21 من مارس يوم يملأ عيني الطفلة سمر ذات الاثني عشر ربيعا بالدموع، مسهبة النظر من خلال سور الحديقة في باقات الورد بأيدي الأطفال قاصدين أمهاتهم تداعب خصلات شعرها الطويل بيديها الصغيرتين، حالمة بلقاء قريب مع أمها المنفصلة عن أبيها منذ سنوات، فيقطع شرودها صوت زوجة أبيها التي تعاملها كخادمة “سمر وينك يا غبية تعالي”، لترد بخوف أحاط قلبها “حاضر خالتي أنا جاية”، لطالما حرمت سمر من الهدايا والزيارات والثياب الجديدة حتى المدرسة قلما تذهب إليها، حتى أبيها جعلها في عالم النسيان .
طردت من المنزل بعد وفاة أبيها قاصدة أمها في دمشق، آملة بحياة جديدة جميلة، لكن الواقع لم يكن كالخيال، استقبال أمها باهتا باردا، ووجود زوج أمها يجعلها مقيدة يسمعها كلمات نابية تحطم كبريائها وتحبط آمالها بمستقبل رغيد يحقق طموحها، لم تجد سمر في منزل أمها نافذة لها أحدثت فارقا أو غيرت مسارا وأرضت فؤادا أو أراحت بالا، بل زادت مساحة الخوف من الأقدار والاحباط واليأس مما هو قادم.
وتمضي السنون داخل غرفتها وعلى ضوء الشموع وانقطاع التيار الكهربائي نتيجة القصف مع بدايات الحرب عام ٢٠١٢، تتأمل سمر القمر في وسط السماء تسمع طرقات على باب غرفتها لترد “تفضلي ماما” تدخل أمها بعينين متعبتين لتركض سمر بسرعة اتجاه أمها “شبك ماما ليش عم تبكي”، لتجيبها أم سمر بأن زوجها قد طلقها وعاد ليسكن مع زوجته الأولى..
تترك سمر وأمها البيت وتنتقل إلى حارة مجاورة تتضطر فيها إلى ترك صديقاتها ومدرستها بعد إصرار والدتها على ترك منزلهم وخصوصا أن هذا التغيير يؤثر على امتحانات الشهادة الثانوية ولكن في الوقت نفسه ستكون أمها قريبة من عملها في مشغل الخياطة خاصتها، صباحا وفي طريقها إلى مدرستها بربطة حمراء تزين بها شعرها و حقيبة تحملها على ظهرها، تصادف ابن خالها يامن الشاب الجامعي في كلية الهندسة ليلقي التحية “صباح الخير سمر كيفك” فترد سمر بخجل رقيق “صباح النور حمدلله “ليتابعا طريقهما سويا.
تتكرر لقاءات سمر مع يامن ليقدم لها كل المساعدة في دراستها لتتخللها علاقة إعجاب واهتمام بينهما.. تدور عيون سمر حائرة تنتظر أمها فقد تأخرت على غير عادتها، تنير سمر قنديل غرفتها وتحدق متلهفة عودة ما تبقى لها من هذه الدنيا “أمها” اتصلت بيامن وأخبرته عن قلقها، تنظر من النافذة لتجد أمها بجانبها مجموعة من رجال الأمن يقيدوها ويجبروها على مرافقتهم إلى سيارتهم وهي تصرخ “مالي علاقة بشي أنا من شغلي لبيتي ” ، تنزل سمر بسرعة اتجاه أمها تتوسل ألا يعتقلوا أمها لكن دون فائدة .. ترضخ أم سمر لهم متوسلة بأخذ سمر معها محاولة إقناعهم انها ستبقى وحيدة ولن يطمئن فؤادها وهي بعيدة عنا …
داخل أقبية السجن حيث الصمت المخيف والجدران الحالكة وأصوات التعذيب للموقوفين تنخر ذكريات سمر وكأن أبواب الأمل مغلقة بوجهها كلما خطت خطوة نحو الأمام لماذا لا تعلم ولكنها متيقنة بأن الحظ يهرب منها.
بعد ١٧ يوما تخرج سمر برفقة أمها من السجن بسبب تهمة بريئة منها والخطأ هو تشابه أسماء.. لتتابع امتحاناتها بعد صدمة عصفت قلبها فسفر يامن إلى النروج هشّم كيانها وكسر أحلامها والنتيجة رسوب في الشهادة الثانوية.
تمت خطبة سمر بعد إصرار أمها بأجواء لم تكتب لقلبها السعادة أو لترسم البسمة على ثغرها الحزين تتلقى رسالة كانت الأجمل وقعا على فؤادها المتعب ” مبروك الخطوبة” “يامن” متابعاً كلامه أنت قدري وملاكي ولن اتخلى عنك سآخذ إجازة وأعود لأتقدم لخطبتك، تعانقت الأحلام و تغيرت الأقدار وضحك القدر أخيرا، أحدث كل ذلك تغييرا ممزوجا بالتفاؤل حتى في ادق تفاصيل حياة سمر.
قبل أن تبحث سمر عن السند جعلت من نفسها سندا صلبا وقبل أن تبحث عن نصفها الآخر جعلت من ذاتها نصفا كاملا واثقا وصامدا .. تحمل سمر شهادة جامعية وتتحضر لتقديم الماجستير لتجعل من تجاربها دافعا لتحقيق أهدافها وطموحاتها برفقة زوجها يامن الداعم الأكبر لها.
بقلم : خيرية حلاق