تجلس منهكة بعد أن أنهت طعاماً أعدته على نار، أشعلتها بأكياس وبقايا قمامة، جمعها أولادها فجراً قبل أن يذهبوا إلى المدرسة، تحمل في قلبها أوجاعا مؤلمة، وعلى ظهرها هموم الحياة، وتبتسم لمحمد ابنها ذو التسعة أعوام، قادماً من مدرسته يحمل على كتفيه الصغيرتين حقيبة مهترئة قد أحاكتها بخيوط من أمل مئة مرة.
” أم محمد ” .. في منتصف الثلاثينيات من عمرها، بقيت في قريتها الصغيرة “حيش” التي ذاقت جميع أشكال القصف، لتضطر أم محمد للهجرة، بعد دخول قوات النظام إلى القرية، فرت وزوجها وأولادها إلى الشمال، تقول : ” من يعلم كيف عشنا تحت القصف من يعلم كم أرعبت أصوات القذائف أولادي ولم أتحرك، الآن صرت هنا في العراء حيث لا تسعك الأرض ولا تحويك السماء”، سكنت خيمة بسيطة وعاشت على أرض بالإيجار، وتركتها بعد شهور لأنها لم تستطع أن تدفع لمالك الأرض.
رفضت أم محمد أن تأتي نازحة منذ بداية القصف، تمسكت ببيتها، فضلت بيتها على خمسين مترا،ً في أرض الزيتون البعيدة، حيث كانت الأرض مشاعاً للنازحين لم تعلم أنها ستأتي إليها كما فعل الملايين قبلها، بحثت عن غرفة عن خيمة عن أي ملجأ، تسكن اليوم في غرفة بالإيجار في مخيم الجزيرة بعد أن تنقلت بين مخيمات كثيرة، غرفتها هذه لم يكتمل سقفها، تمطر السماء داخل غرفتها الصغيرة، التي أصبحت مطبخاً ومكاناً للاستحمام.
في غرفة يسكنها خمسة أطفال، مع والديهم، تعاني ابنتها ذات السبعة أعوام من ضمور في الدماغ، طلب الأطباء منها صورا وتحاليل، لا يعلم الأطباء أنها وقفت عشرات المرات أمام باب الصيدلية تريد دواءً دون نقود، لتعود باكيةً تضع صغيرتها في حضنها وتتوسل إلى الله ألا يذيقها ذل العيش، وزوجها الذي يعمل حمالا وسائقاً، بل كل ما يستطيع أن يعمل.
تحرقها كلمات ابنها محمد المجتهد: ” أمي تقول لي المعلمة لا تأتِ مرة أخرى بهذا الحذاء لن أذهب مرة أخرى للمدرسة “، ” من أين آتي له بحذاء شتوي، لن أخرج مرة أخرى لجمع القمامة، هؤلاء الأساتذة لا يقدرون ظروفنا “.
بقلم : وضحة الخابور