يشكل جهاز تنظيم ضربات القلب الجاري استخدامه حاليا معجزة طبية، فبإمكانه إرسال نبضات كهربائية لقلب الإنسان، كي يواصل الخفقان بشكل منتظم، رغم أن حجمه لا يتجاوز حجم علبة الثقاب.
وتفيد الإحصاءات بأن العالم يشهد سنويا تركيب 1.25 مليونا من هذه الأجهزة، التي تؤدي الاستعانة بها لأن يشعر من يعانون من اضطراب في ضربات القلب، بتحسن كبير في “نوعية” حياتهم، كما يعيد ذلك متوسط الحياة المتوقع لبعض الأشخاص، إلى معدلاته المعتادة.
ومع أن هذا الجهاز تطور بشكل مطرد على مدار العقود الماضية – تحديدا منذ أن تم تركيب أول نموذج منه قابل للزرع بشكل كامل في جسم الإنسان عام 1958 – فإن الفكرة الرئيسية التي تقف وراء عمله لم تتغير. فالأقطاب الكهربائية المزروعة في إطاره، تراقب نبضات قلبك، وحينما تجد أنها باتت تتسم بطابع غير مألوف، يصدر الجهاز نبضات كهربائية تحفز عضلات القلب على الانقباض، حتى تواصل ضخ الدم لمختلف أنحاء الجسم.
ويتولى هذا الجهاز ضمان أن يواصل قلبك نبضه بإيقاعه المعتاد نفسه في كل الحالات، سواء كنت نائما أو حتى مشاركا في سباق للماراثون.
لكن هناك من يرى أن بوسع جهاز تنظيم ضربات القلب، القيام بما هو أكثر بكثير من مجرد دفع أنسجة القلب إلى العمل، عندما تفشل في القيام بذلك من تلقاء نفسها. فبرأي هؤلاء، يمكن لجهاز مثل هذا مزروع في الجسم، مراقبة الحالة الصحية للإنسان، ورصد المؤشرات التي تفيد بإصابته بالمرض، والمساعدة على التعامل مع الأمراض المزمنة، بل وتوفير أشكال جديدة من العلاج، التي قد يتسنى لنا في المستقبل، تحميلها ببساطة كما نُحمّل التطبيقات الموجودة على هواتفنا الذكية.
وهكذا، قد يصبح بوسعنا محاربة أمراض مثل السكري والتهاب المفاصل والشلل الرعاش (مرض باركنسون)، عبر استخدام جيل جديد من الأجهزة الحديثة الشبيهة بجهاز تنظيم ضربات القلب، والتي تستفيد بشكل مباشر من شبكة الأعصاب الممتدة في كل مكان من جسم الإنسان.
ويمكن لهذه الأدوات الإلكترونية كذلك، تحسين قدرتنا على مواجهة أي مشكلات نعاني منها في المثانة، وتمكيننا من التعامل مع الآلام، التي قد نشعر بها بشكل أفضل.
وفي الوقت الراهن، تعكف بعض الشركات على تطوير جيل جديد من الأدوات الطبية التي تُزرع في الجسم، مثل شركة “بيوس” الناشئة العاملة في مجال الطب الحيوي.
ويقول أوليفر أرميتاج، أحد مؤسسي الشركة والمسؤول عن القسم العلمي فيها: “أدى مبتكرو جهاز تنظيم القلب عملا عظيما على صعيد مواجهة مشكلة عدم انتظام ضرباته، لكنهم لم يتعاملوا مع مشكلات من قبيل ارتفاع ضغط الدم، وغير ذلك من الكثير من الأمراض والحالات المرضية المزمنة”.
فكيف يمكن أن نزيد فعالية هذا الجهاز؟
علينا في البداية إدراك أن الجسم البشري يحتوي – بشكل طبيعي – على أجهزة تتولى ضبط إيقاعه، وهي عبارة عن شبكة من الأسلاك البيولوجية، التي نسميها “أعصابا”، وهي ترسل إشارات كهربائية جنبا إلى جنب مع رسائل كيمياوية إلى كل الأعضاء والأنسجة الرئيسية لدينا.
ومنذ نحو 20 عاما، يسعى الباحثون في مجال علمي، يُطلق عليه اسم “الإلكترونيات الحيوية”، للاستفادة على نحو أكبر وبشكل مباشر من هذه الإشارات والرسائل.
وتمثل الأدوات الإلكترونية، التي ابْتُكِرَت من جانب المتخصصين في هذا المجال، تطويرا لأجهزة تنظيم ضربات القلب. وتستهدف استنساخ الإشارات العصبية، وكذلك التفاعل مع الجسم للتحكم في نشاط الدوائر العصبية المصابة بخلل، والتي تزيد نسبة الإصابة بالمرض.
ومن بين النماذج المعروفة لهذه الأدوات، الأجهزة المستخدمة في ما يُعرف بـ “التحفيز العميق للدماغ”، والتي تحمل اسم “مولد النبض المزروع”، وتساعد على السيطرة على المشكلات الصحية الناجمة عن الإصابة بالشلل الرعاش، من قبيل التحرك بشكل متصلب أو الارتجاف خلال الحركة، إذ ترسل في هذه الحالة إشارة كهربائية إلى الدماغ، لمعالجة ذلك الأمر.
كما يمكن استخدام “مولد النبض المزروع”، في علاج أمراض مثل الصرع، إذا فشلت العقاقير الدوائية في تحقيق هذا الهدف.
لكن المشكلة تكمن في أن الأجهزة التي ابتكرها علماء “الإلكترونيات الحيوية” لزرعها في الجسم، لا تتسم بـ “الذكاء” الكافي، في ضوء أنها لا تأخذ في الحسبان، بعض التغيرات المهمة التي تشهدها أجسامنا. ويعود ذلك إلى أن العلماء طالما عانوا الأمريْن، لكي يفهموا بدقة أنماط الإشارات العصبية، التي تؤثر على صحتنا، وتُعرف باسم “المؤشرات الحيوية العصبية”.
وبوسعنا اعتبار “المؤشرات الحيوية” بمثابة المفردات التي تؤلف اللغة التي “تتحدث” بها أجسامنا. وتمثل “المؤشرات الحيوية العصبية” أحد أنواعها. وكلما فهمنا هذه المؤشرات بشكل أكبر، صار بمقدورنا الشروع في فهم لغة الجهاز العصبي لدينا، وما الذي يخبرنا به عما يجري بداخلنا.
كما أن فهم الإشارات العصبية، يجعل بمقدورنا “الحديث” مع أجسادنا “والرد” عليها، باستخدام الأجهزة المزروعة فيها، تلك التي توفر للمرضى “طرقا علاجية تعمل بشكل مستقل”، من خلال تحفيز أعصاب بعينها في أجسامهم.
ولا يصعب على المرء إدراك سبب جاذبية مثل هذه الأجهزة، إذ أن أداءها لعملها على النحو الصحيح، سيجعلها قادرة على أن تراقب تلقائيا ما يجري في الجسم، ويُمكِّنها من أن توفر – بشكل تلقائي كذلك – العلاج لما يصيب المرء من أمراض، دون أن يعي المريض نفسه ذلك.
ويقول أرميتاج في هذا الشأن: “يعالج جهاز تنظيم ضربات القلب هذه المشكلة بالطريقة نفسها التي تعالجها بها العقاقير الدوائية المُستخدمة لهذا الغرض. لكن لدى الجهاز إمكانيات أكبر، لأن استخدامه يعفي المريض من التفكير في المشكلة المرضية، التي يعاني منها من الأصل”.
ويمكن أن تساعد الاستعانة بذلك الجهاز المتطور على تجنب مشكلات، من قبيل عدم التزام المرضى بالأدوية الموصوفة لهم، سواء فيما يتعلق بتوقيت تناولها أو بجرعتها.
وتكشف دراسات النقاب عن أن عدم الالتزام بالجرعة المقررة، أدى في الولايات المتحدة وحدها، إلى حدوث نحو 125 ألف حالة وفاة، كما تسبب في 10 في المئة من حالات نقل المرضى للمستشفيات.
ومن هذا المنطلق، يُفترض أن يكون بمقدور الجيل الجديد من الأجهزة القابلة للزرع في الجسم، مراقبة الوضع الصحي للإنسان وتوفير العلاج له كلما كان ذلك ضروريا، وذلك عبر فك شفرة الرسائل، التي تمر عبر جهازه العصبي والتفاعل مع المعلومات التي تتضمنها.
فاستقراء إشارات جهازك العصبي، يجعل بوسع الجهاز المزروع في جسمك، التعرف على التغير الذي يطرأ على هذه الإشارات، نتيجة ممارستك لبعض التدريبات الشاقة مثلا، ومن ثم زيادة عدد ضربات قلبك للتماشي مع مستوى النشاط البدني الذي تبذله في هذه الحالة.
أما إذا كانت ضربات قلبك بحاجة إلى أن تتباطأ تدريجيا مع تقدمك في العمر، فبمقدور الجهاز جعلها تتوافق مع هذا التغير الفسيولوجي. وبجانب هذا وذاك، يمكن لمثل هذه الأجهزة، تنبيه الأطباء بأن أزمة قلبية ما، في طور التشكل داخل جسدك، وهو ما يتيح لهم الفرصة للتدخل في الوقت المناسب.
لكن ثمة مشكلات تكتنف ذلك، في ضوء أن البيانات العصبية تتسم بالتعقيد والفوضى بشكل هائل. فالقلب البشري – على سبيل المثال – لا يعمل في الفراغ، وإنما يتأثر بعوامل أخرى ورسائل تأتيه من أعضاء مختلفة في الجسم، مثل مدى سرعة تنفس صاحبه وطبيعة الطعام الذي تناوله للتو وغير ذلك.
ولذا فإذا أردنا فك شفرة هذه المعلومات بشكل دقيق، سنحتاج للحصول على مزيد من البيانات العصبية، وأن تكون لدينا تقنيات أفضل للتفسير والفهم، ما سيجعل بمقدورنا الاستماع إلى “المفردات الصحيحة” الواردة لدينا من داخل أجسادنا، وهي المفردات الضرورية لفهم اللغة التي يتحدث بها الجسم. وقد لجأت شركة “بيوس” لشكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يُعرف باسم “التعلم الآلي” لمساعدتها على تحقيق هذا الهدف.
وفي هذا الإطار، يعكف فريق من الباحثين التابعين للشركة، على تسجيل البيانات العصبية الخام من خلال وسائط عصبية طوّرتها الشركة، ووضع هذه البيانات بموازاة تسجيلات تخص إشارات فسيولوجية، مثل معدل ضربات القلب ومستويات ضغط الدم والجلوكوز ودرجة حرارة الجسم ومستوى النشاط البدني.
وتمكن الباحثون من وضع جدول زمني يتضمن البيانات العصبية وتلك الفسيولوجية، التي حدثت بشكل متزامن على مدار شهور، وذلك بهدف توفير قدر كبير من البيانات، بما يسمح لخوارزميات الذكاء الاصطناعي برصد الأنماط التي تشير إلى وجود مؤشرات حيوية عصبية مستمرة. كما يستهدف ذلك تمكين تلك الخوارزميات من التعرف على الكيفية التي تتفاعل بها هذه المؤشرات الحيوية، مع التغيرات التي تطرأ على عمل هذا الجهاز من أجهزة الجسم، أو ذاك.
ويشرح أرميتاج ما تقوم به شركته في هذا الشأن بالقول: ” ما نقوم به في هذا المضمار، يتمثل في تزويد الأدوات الطبية المزروعة في الجسم، بخوارزميات متطورة وقدرات متعلقة بـ `التعلم الآلي`”.
ويؤدي اكتساب تلك الخوارزميات مزيدا من المعلومات حول مريض ما، إلى تمكينها من بلورة “استجابات تلقائية تتلاءم مع حالته الصحية واحتياجاته تحديدا”. كما أن بمقدور “الوسائط العصبية ثنائية الاتجاه” التي طوّرتها شركة بيوس، رسم “صورة إكلينيكية” للمريض بمرور الوقت، وتحديد الكيفية التي يتطور بها مرضه، ما يسمح للأطباء بوضع برنامج رعاية يتناسب مع حالته بدقة، لا أن تكون خطط الرعاية هذه عامة، ولا تراعي الاختلافات بين المرضى.
ويقول أرميتاج: “نحن نتطلع بشكل أساسي إلى كيف يمكننا توفير طرق علاجية فعالة وقادرة على التعامل مع الأمراض المزمنة، عبر استخدام الخوارزميات التي تجعلنا قادرين على الاستفادة من الجهاز العصبي ومكوناته، بدلا من أن نعتمد فقط على المستحضرات الطبية”.
وخلال الأعوام القليلة المقبلة، ستخضع الأجهزة التي تطورها “بيوس”، إلى اختبارات إكلينيكية يُستخدم فيها البشر. لكن أرميتاج يتوقع أن نرى في فترة تتراوح بين عامين وخمسة أعوام “أدوات طبية قابلة للزرع في الجسم، تم تكييفها لكي تلاءم حالة كل مريض”، ويمكن استخدامها لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض والمشكلات الصحية، التي تشمل ارتفاع ضغط الدم والإصابة بالسكري ومتاعب المثانة والشعور بآلام مزمنة.
وتأمل الشركة في أن توفر منتجاتها في نهاية المطاف قاعدة، يمكن للأطباء البناء عليها لتطوير طرق علاجية جديدة، بما يحوّل الحالة المرضية المزمنة إلى مجرد معادلة خوارزمية لا أكثر.
ويوضح أرميتاج ذلك قائلا: “التقنية التي نطورها تشكل في واقع الأمر برنامجا، يُمكِننا من أن نقرأ (حالة الجهاز العصبي) وأن نكتب له (ردا على ذلك)، وهو ما يجعل الحالة المرضية التي نعالجها، معادلة خوارزمية ليس إلا”.
لكن ذلك لا ينفي أن كلا من هذه الطرق، سيخضع للاختبارات الطبية اللازمة، وللإجراءات التنظيمية المناسبة كذلك.
في كل الأحوال، يتمثل العنصر الرئيسي لهذا الأسلوب العلاجي الجديد، في القدرة على تحويل المرض إلى معادلة خوارزمية يمكن التعامل معها، من خلال إرسال رسائل تمر عبر الجهاز العصبي للإنسان.
ويُسخّر العلماء تقنيات “التعلم الآلي” لفهم كيف يمكن أن يشير وجود مجموعة متنوعة من الدلالات الخاصة بالمؤشرات الحيوية في الدم – مثل مستويات الهرمونات أو المواد الكيمياوية الحيوية – إلى وجود مشكلات مرضية بعينها، سواء في القلب أو في غيره من أعضاء الجسم.
وقد سبق أن استفاد الباحثون من هذه الطريقة، في محاولة فهم أسباب ما تشير إليه الإحصاءات، من أن مرضى السكري أكثر عرضة للوفاة جراء الإصابة بأمراض القلب – بواقع الضعف – مقارنة بنظرائهم. فرغم أنهم يعرفون أن السكري يضر بالقلب ويقوض قدرته على توليد الطاقة على مستوى الخلايا، فلا يزالون غير قادرين على أن يحددوا بدقة السبب وراء ذلك.
لذا أجرى فريق بحثي من جامعة ويست فرجينيا الأمريكية مؤخرا، دراسة بشأن المؤشرات الحيوية المرتبطة بالإصابة بالسكري، استخدموا فيها خوارزميات “التعلم الآلي”، بهدف البحث عن مؤشرات البروتينات والأيض الموجودة في عينات أنسجة مأخوذة من مرضى بالسكري ومن أشخاص آخرين غير مصابين بالمرض.
ويقول كوينسي هاثواي، طالب الطب في الجامعة والذي أجرى البحث كجزء من رسالته للدكتوراه: “في البداية لم نجد أي اختلاف واضح بين المجموعة التي تضم مرضى السكري والمجموعة الأخرى الضابطة. لكن استخدام خوارزميات `التعلم الآلي` أفسح لنا الفرصة لاستخلاص مزيد من التفاصيل” في هذا الشأن.
وقد تقود الجهود البحثية التي يقوم بها هذا الرجل، إلى تحسين طرق التشخيص والعلاج المتوافرة لمرضى السكري ممن يعانون من مشكلات في القلب والأوعية الدموية، إذ ربما تجعل بوسع الطبيب أن يتعرف من خلال فحص عينة من أنسجة الجسم، على إمكانية وجود أمراض معينة في القلب، من خلال رصد مؤشرات حيوية بعينها في تلك الأنسجة.
ومن هنا فإن قدرتنا في المستقبل على تحديد المؤشرات الحيوية بدقة كافية، سيجعل اختبارا بسيطا لعينة الدم كافيا، لتحديد ما إذا كان شخص ما مريضا بالسكري ويواجه خطر مواجهة مشكلات في القلب أم لا.
وتتمثل الخطوة المقبلة على هذا الطريق، في مواصلة “تدريب” خوارزميات “التعلم الآلي”، من خلال تزويدها بمزيد من البيانات. لكن ذلك ينطوي على تحديات – كما يقول هاثواي – إذ يتطلب إجراء تجارب قد تشمل آلافا من المرضى، لرصد مؤشر حيوي واحد.
ويقول جون هولاندر، المشرف على رسالة هاثاوي والأستاذ في ويست فيرجينيا، إن التعرف على مؤشر حيوي ما، ليس نهاية المطاف، بل إن الأمر يستلزم بعد ذلك، دراسة هذا المؤشر جيدا لفهمه على نحو أكثر شمولا. ويوضح هولاندر قائلا: “الجزء الصعب لا يتعلق حقا بالحصول على البيانات، وإنما فهم ما الذي تعنيه في سياق أوسع نطاقا”.
غير أن هناك من يرون أن هذا النهج ينطوي على إمكانيات أكبر. من بينهم باحثون في الولايات المتحدة، يجرون دراسات حول إمكانية تطوير أدوات علاجية بمقدورها تعديل النشاط الكهربائي في الأعصاب، لتحسين قدرة عدد كبير من أجهزة الجسم على العمل.
ويتوقع هؤلاء الباحثون أن تُتاح للاستخدام خلال سنتين أو ثلاث، بعض أدوات التحفيز العميق للدماغ، من تلك التي يتم تكييفها على حسب حالة المريض التي تُزرع بداخله وتستهدف معالجة أمراض بعينها. ومن بين أكثر الأجهزة الواعدة في هذا المضمار، جهاز يتم تطويره لمعالجة الأمراض العصبية مثل الشلل الرعاش أو مرض “باركنسون”.
وللتعامل مع هذا المرض تحديدا، تعكف هيلين برونتي-ستيوارت، مديرة مركز ستانفورد لعلاج اضطرابات الحركة في الولايات المتحدة، وفريق باحثين تابع لها، على تطوير منظومة تحفيز عميق للدماغ قابلة للتكيف مع حالة المريض، تتضمن ارتداء المصاب بالشلل الرعاش جهاز استشعار حول المعصم، لرصد الأعراض التي قد يُصاب بها خلال الحركة مثل الارتجاف والمشي بشكل متصلب.
ويرتبط هذا السوار المثبت حول المعصم عبر تقنية البلوتوث بجهاز مزروع في الدماغ، وهو ما يُمَكِنّه من إطلاق إشارات كهربائية ضعيفة داخل الدماغ، للتعامل مع العَرَض، الذي يتم رصده بُعيد حدوثه بوقت قصير.
وتتطلب مراقبة الأمراض ومعالجتها بدقة عبر هذا الأسلوب، أن يكون لدى الباحثين القدرة على الاستفادة وبشكل دقيق للغاية، من الخلايا العصبية كلٍ على حدة. وهو أمر تكتنفه صعوبات تتعلق بالتقنيات الخاصة بالأقطاب الكهربائية التي يتم زرعها واستخدامها في الوقت الحالي، في ضوء أن الآليات المتبعة في هذا الشأن الآن، تستخدم أقطابا لتحفيز الإشارات تختلف عن تلك التي يتم استخدامها لتسجيلها.
ولمواجهة هذه المشكلة، يستخدم فريق بحثي من جامعة ملبورن الأسترالية ألياف كربون مطلية بالماس، أملا في تطوير مصفوفات من الأقطاب القادرة على أداء الوظيفتين معا، بالنسبة لكل خلية عصبية.
وتقول ميلاني ستامب، وهي من بين أفراد الفريق: “مع استخدام الأقطاب التي نطوّرها، ثمة فرصة للتعامل مع الأمراض والحالات المرضية التي توهن صحة الإنسان مثل مرض `باركنسون` ومتلازمة الخرف والآلام المزمنة وربما الاكتئاب كذلك”.
وبطبيعة الحال، يجب أن تكون هذه الأقطاب متوافقة حيويا، أي أن تتقلص نسبة رفض جسم المريض لزرعها فيه. كما يتعين – كما تقول ستامب – أن تخضع لكل الاختبارات الإكلينيكية المطلوبة، التي ستكشف عما إذا كان هذا النوع الجديد منها، قادرا على أداء مهامه بكفاءة وأمان كذلك أم لا.
لكن ربما تكون هناك وسيلة لتفادي الحاجة لإجراء أي تدخل جراحي من الأصل.
وفي هذا الشأن، تقول فلور جلدفست، عالمة الفسيولوجيا العصبية في إحدى الجامعات الهولندية، إنه يتم تطوير تقنيات لتحفيز الدماغ باستخدام “الموجات فوق الصوتية المركزة”، بما لا يجعل هناك حاجة لزرع أقطاب كهربائية في الرأس.
وتوضح بالقول: “يمكن أن يمثل ذلك عونا هائلا للمرضى، نظرا لأن زرع الأقطاب الكهربائية ينطوي دائما على قدر من المخاطرة. لكنه يعني في الوقت نفسه، أنه سيصبح من الأيسر التحكم في نشاط المخ، بكل ما يترتب على ذلك من تَبِعات أخلاقية”.
من جهة أخرى، ربما ستكون هناك حدود لعدد الأمراض التي يمكن معالجتها عبر تدخلات مثل هذه، نظرا لأن المخ – كما تقول جلدفست – لا يوجد في صومعة مغلقة بل إنه عبارة عن “منظومة متشابكة للغاية”.
وتتمثل المشكلة التي تواجه العلماء هنا في القدرة على تطوير وسيلة تجعل بوسعهم تحفيز خلايا عصبية بعينها في أماكن مختلفة، دون أن يؤثر ذلك على الخلايا المجاورة لها، وهو أمر غير متاح في الوقت الحاضر.
لكن بالرغم من وجود الكثير من العقبات التقنية والتنظيمية، التي لا تزال قائمة على طريق الاستفادة من ذلك الجيل الجديد الذي يجري تطويره من الأدوات الطبية القابلة للزرع في الجسم والقادرة على إرسال إشارات للجهاز العصبي، فإن تقريرا صدر مؤخرا عن الجمعية الملكية في المملكة المتحدة، خَلُصَ إلى أن من شأن هذه الأجهزة – عند الانتهاء من تطويرها – تحقيق فوائد واسعة النطاق.
وقال التقرير إنه من المقرر أن “تصل هذه الأدوات خلال العقود المقبلة إلى مرحلة النضج وأن يتسع نطاقها بشكل كبير، ما يجعل من المحتمل أن تتفوق في فعاليتها على المستحضرات الدوائية في بعض المناطق”.
ومن هنا قد يجعل ذلك من الممكن أن تصبح زيارة الطبيب شيئا من الماضي، وأن ينتهي بنا المطاف إلى تحميل خوارزمية، بدلا من تناول الدواء، إذا كنا نريد أن نشعر بأننا في حالة صحية أفضل.
المصدر بي بي سي