قال تقرير لمركز «أتلانتيك كاونسل» للدراسات الاستراتيجية في واشنطن أن العديد من الأحداث الأخيرة في سوريا يشير إلى أن نظام «بشار الأسد» وحلفاءه قد قاموا بتغيير استراتيجيتهم العسكرية بالتركيز على استعادة السيطرة على المزيد من الأراضي من تنظيم «الدولة الإسلامية»، أملا في الحصول على رضاء وشرعية دولية.
وقال التقرير إنه «بالتنسيق مع عمليات القصف على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في غرب سوريا، يركز الأسد علي استعادة السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»، أملا باستعادة الشرعية الدولية، وإجبار الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تدعم المعارضة بتقديم الدعم المباشر أو غير المباشر للنظام في حربه ضد تنظيم الدولة، مما يقوض الدعوات المتكررة للنظام إلى التنحي، والحد من الإدانات لاستهداف النظام العشوائي للمدنيين.
تغير استراتيجية «الأسد»
ويرصد المركز ثلاثة أحداث يري أنها مؤشرات على هذا التغيير في استراتيجية «الأسد»، على النحو التالي:
أولا: ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في 7 يونيو/حزيران الجاري أن قوات النظام بدأت حملة للاستيلاء على مدينة «الطبقة» كجزء من الحملة التي بدأتها يوم 2 يونيو/حزيران لاستعادة مدينة الرقة، العاصمة المعلنة لتنظيم الدولة.
وتعتبر مدينة «الطبقة» ذات أهمية استراتيجية لأنها تقع على مفترق طرق يربط بين ثلاث محافظات: الرقة وحلب وحماة، والاستيلاء على «الطبقة» يقوم بوضع قوات النظام على بعد 40 كيلومتراً فقط من مدينة الرقة، ويسمح لها بقطع خطوط الإمدادات عن التنظيم، وعزل قوات التنظيم في شمالي حلب.
وحتى الآن، تجنب النظام إلى حد كبير محاربة تنظيم الدولة المتطرف، إذ أنه فضل بدلاً من ذلك استراتيجية أن يدعهم ليقوموا بخدمة مصالحه، وقام بالتنسيق معهم.
ثانيا: خطاب «الأسد» في 7 يونيو/حزيران، والذي وعد فيه باستعادة «كل شبر» من الأراضي سوريا، وهو يشير أيضاً إلى هذا التحول نحو تركيز المعركة ضد التنظيم.
ثالثا: في أعقاب انهيار اتفاق وقف الأعمال العدائية، قامت روسيا باستئناف القصف على نطاق واسع على مدينة حلب، وإراحة قوات «الأسد»، التي ركزت على مناطق تنظيم الدولة
من ترك التنظيم إلى القتال ضده
ويشير التقرير الأمريكي إلى أن نهج نظام «بشار الأسد» في التعامل مع تنظيم الدولة بدأ بترك التنظيم حراً طليقاً للاستفادة منه، ثم بدأ التغيير بقيام قوات النظام، التي يسيطر عليها مقاتلون أجانب من حزب الله والميليشيات الإيرانية والروسية، باستعادة مدينة تدمر من مقاتلي التنظيم في شهر مارس/أذار من هذا العام.
ونوه إلى أنه في ذلك الوقت، قام الطيران الروسي بقصف مواقع تسيطر عليها المعارضة، في مدينة حلب بهدف مساعدة النظام على فرض حصار شبه كامل للمدينة، حيث تم تطويقها من ثلاث جهات وقصف الطريق الرئيسي الذي تسيطر عليه المعارضة في شرق حلب، ما حصر قوى المعارضة في نطاق جغرافي ضيق، ويبدو «الأسد» راضياً بأنه نجح في النهاية باحتواء تهديد الثوار.
استعادة الشرعية
يشدد التقرير على أن ملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية الآن هو محاولة من النظام لإعادة بناء شرعيته، حيث يود أن يظهر بأن أولوياته تتماشى مع الجهود الدولية لمكافحة التطرف، ويفرض على الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد التنظيم، تقديم الدعم الضمني للنظام السوري.
ويري أن الضربات الجوية لقوات التحالف الدولية ضد موارد التنظيم العسكرية وخطوط أنابيب النفط، ومقاتلي التنظيم في سوريا، قامت بإضعاف التنظيم بما فيه الكفاية أمام قوى حركة «سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة، والتي يسيطر عليها الأكراد، لتقوم باستعادة بعض الأراضي من قوات التنظيم في شمالي سوريا، ولكن ذلك سمح أيضا لقوات النظام وحلفائه بالتحرك ضد التنظيم.
ويؤكد مركز «أتلانتيك كاونسل» أن السباق الآن لاقتلاع تنظيم الدولة من الرقة أصبح عاملاً حاسمًا في المعركة من أجل الشرعية، وإن كان النظام يستطيع تحمل مسؤولية طرد التنظيم من عاصمته المعلنة، فإنه سيستفيد من ذلك معلناً نفسه كبطل دولي في مكافحة الإرهاب.
ويشير التقرير أيضا إلى أن روسيا وإيران مستعدين لتقديم الدعم الكامل لهذه الاستراتيجية، حيث تقوم روسيا بعرقلة عملية التفاوض قدر الإمكان، لأنها تساعد النظام على تشكيل الواقع العسكري في سوريا، باستعادة الأراضي الخارجة عن سيطرته، وتعزيز قبضته على الأراضي الحالية، ومحاربة تنظيم الدولة. كما يؤكد أن الهدف من وراء ذلك هو وضع النظام بنهاية الأمر، في موقف أفضل للمساومة والتفاوض، بينما تضمن تلك الاستراتيجية للأسد أن تكون المعارضة الوطنية في موقف أقل قوة حينها.
تغيير الاستراتيجية سيفيد النظام من أوجه أخرى أيضا تشمل استعادة حقول النفط وآبار الغاز، والأراضي الزراعية، ما يعزز ادعاء «الأسد» أنه وحده من يمكنه أن يقود مرحلة إعادة الإعمار في سورية.
لدى إيران أيضا أسبابها الخاصة لدعم جهود إضعاف تنظيم الدولة، إذ أن ذلك سوف يسمح لإيران باستعادة الطريق البري لشحن الإمدادات إلى وكيلها الحصري في لبنان، حزب الله.
ويشير التقرير إلى أن النظام السوري في سباق الآن، مع قوي أخري منها المعارضة السورية، لاستعادة السيطرة على الأراضي التي يستحوذ عليها تنظيم الدولة، وذلك قبل أن يخسر تلك الفرصة من قبل القوى المتنافسة. حيث استفادت قوي المعارضة من فترة التهدئة مع قوات «الأسد» منذ فبراير/شباط في اكتساب المزيد من الأرض من تحت يد التنظيم في ريف حلب، وأظهرت ولمرة أخرى التزامها في محاربة التنظيم، متفوقة على لامبالاة النظام، ما وضعه في موقف حرج.
ويتساءل المركز: إلى أي مدى سيكون النظام قادراً على الذهاب في مواجهة التنظيم؟ وهل سيقوم التنظيم بتنسيق انسحابه من مناطق معينة والسماح بدخول النظام كما فعل سابقاً في تدمر؟
لكن المؤكد أنه بوجود روسيا وإيران وحزب الله، وفريق مختلط من المليشيات الأجنبية التي تقوم بتقديم الدعم لنظام «الأسد»، بدأ النظام يشعر بأنه استطاع إلى حد ما تحييد تهديد المعارضة، ويمكنه أن يحول اهتمامه نحو استعادة الأراضي المفقودة، إذ أن الهدف النهائي لهذه الحرب في وجهة نظر النظام، ليس فقط مجرد سحق المعارضة، ولكن أيضاً استعادة الشرعية الدولية التي تضمن للأسد تجاهل دعوات التنحي المشهرة في وجهه.
أتلانتيك كاونسل: ترجمة محمد خالد- الخليج الجديد