انشغلت وسائل الإعلام بخبر «استهداف قيادات الصف الأوّل في جبهة النصرة بغارة جوية في إدلب». لم يلبث أن رُبط الخبر بالتقارير المسرّبة عن احتمال انفصال «النصرة» عن تنظيم «القاعدة». وزُجّ باسم أمير الجبهة أبو محمد الجولاني في قائمة المستهدَفين، ليحُكى عن عملية اغتيال وتصفية مشابهة لتلك الضربة التي أطاحت قيادات «حركة أحرار الشام» دفعة واحدة. أما الغاية المتوخاة، فتردّد أنها تسهيل فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة». «الصحيح أن الجولاني لم يكن موجود أصلاً في الموقع المستهدف بغارة قوات التحالف»، بحسب مصادر «قاعدية» رفيعة المستوى.
وأضافت المصادر: «لم يكن هناك اجتماع سرّي حتى، بل جلسة عادية تضم خمسة أشخاص أرفعهم رُتبة كان القائد العسكري العام السابق لـ«النصرة» أبو همام الشامي الذي لم يُحسم خبر مقتله بعد، علماً بأن الغارة أدت إلى مقتل ثلاثة منهم على الفور، فيما أصيب الشامي ونائبه اللبناني أبو حمزة الزعبي بجروح». ورغم استبعاد مصادر «النصرة» ارتباط استهداف الشامي ومجموعته بالنقاش الدائر بشأن انفصال «النصرة» عن «القاعدة»، كشفت مصادر رفيعة المستوى في «القاعدة» لـ«الأخبار» أن المسألة كانت محل نقاش جدّي في اجتماعات مجلس شورى الجبهة منذ أشهر، لافتة إلى وجود تيار ضمن الصف الأول في «النصرة» يؤيد الطرح. وأكّدت أن أمير «النصرة» الجولاني حسم أمره بهذا الخصوص، واتّخذ القرار برفض الانفصال عن «القاعدة»، وقد أيّده معظم أعضاء القيادة، بعدما خيّرته «القاعدة» عبر رُسل وصلوا إلى سوريا بين البقاء في كنف تنظيم قاعدة الجهاد العالمي أو فك الارتباط به، «إن كان في الأمر مصلحة للجهاد في بلاد الشام». وقالت المصادر إنّ أمير «القاعدة» الشيخ أيمن الظواهري «قال للجولاني: إذا كان العمل في الشام سينجح بغير اسم «القاعدة»، فغيّروا الاسم واندمِجوا مع باقي الفصائل كـ«أحرار الشام» (التي يُشاع في الأوساط الجهادية أنها مبايعة لـ»القاعدة» سرّاً)، أو غيرهم من أتباع المنهج السلفي».
وأكّدت المصادر أن الجولاني اختار الخيار الاول، أي عدم التراجع عن بيعته للظواهري، وعدم الخروج من كنف «تنظيم قاعدة الجهاد» العالمي. وعند منتصف ليل أمس، أصدرت «النصرة» بياناً، عبر شبكة المنارة البيضاء، تنفي فيه ما ورد في تقرير لوكالة «رويترز» (نشرته يوم الأربعاء الماضي) يتحدّث عن احتمال فك «النصرة» ارتباطها بالتنظيم الأم لقاء دعم خليجي، وقطري تحديداً. وطالبت الجبهة أمس الوكالة بالاعتذار عن «الكذب التلفيق». وقد برز لافتاً في البيان استنكاره تضارب المعلومات بشأن ضعف النصرة في الميدان وقدرتها على حل الفصائل، ونفيه بشكل قاطع اجتماع قيادة التنظيم بالاستخبارات القطرية وبحثها عن تمويل قطري أو خليجي، لكنه لم ينف بشكل صريح حقيقة وجود نقاش داخل الجبهة بشأن الانفصال عن إمارة الظواهري. كذلك لم يأت البيان على ذكر ملابسات الغارة التي استهدفت أبو همام الشامي.
واستعرضت المصادر النقاش الذي دار بشأن القبول بالانفصال أو رفضه، مشيرة إلى أن المؤيدين له رأوا أنه إذا حصل فلن يُلغي التنسيق بين «النصرة» و«القاعدة»، وأنّه حُكماً لن يعني القبول بـ«دولة علمانية». وبالتالي، سيُعطي ذلك «النصرة» أكثر ممّا سيأخذ منها. غير أن الجولاني رأى أن مفاسد الانفصال، استناداً إلى اعتبارات تتعلق بعمق التنظيم وامتداده، أكثر من مكاسبه، لا سيما على المدى البعيد، وتحديداً في ما يتعلق بالصراع الدائر مع تنظيم «الدولة الإسلامية». ورأت المصادر أن «الضغط باتجاه فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة» يُراد منه تلميع صورة «النصرة» والتخلّص من حراجة دعمها علانية، لا حبّاً بأهل الجهاد ورغبة في القضاء على نظام (الرئيس) بشار الأسد، بل لغاية استخدام المجاهدين كرأس حربة مستقبلية لمواجهة جماعة «الدولة الإسلامية»، لكون «النصرة» الفصيل الأكثر قدرة على خوض مواجهة كهذه». أمام هذه التسريبات، ترى المصادر أن الجولاني «بات في خطر أكثر من أي وقت مضى، باعتباره حسم أمره لجهة استحالة قبوله الانفصال عن «القاعدة» تحت أي ظرف كان».
وكانت أبرز التعليقات في هذا الخصوص جاءت عبر المسؤول الشرعي العام لـ«النصرة» الدكتور سامي العريدي الذي غرّد أمس قائلاً: «كلما أقرأ ما يُكتب عن فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة أبتسم. كأنه لم يبق عثرة في وجه نجاح الثورة السورية إلا ارتباط جبهة النصرة بقاعدة الجهاد. وما علموا أن إعلان الشيخ الفاتح الارتباط بالقاعدة في تلك الأيام كان رحمة وإنقاذاً للساحة مما لا تُحمد عقباه». وقد استدعى خبر الانفصال الذي ملأ الدنيا وشغل الناس جملة ردود من قيادة «النصرة» لتوضيح ملابسات الطرح. فنشر الشرعي السابق أبو ماريا القحطاني تفنيداً للمسألة أكّد فيه النقاش الدائر بشأن عرض الانفصال، لكنه هيّأ الأرضية تاركاً الباب مفتوحاً أمام أي خيار مستقبلي. وإذ نفى القحطاني اتهامات تنظيم «الدولة الإسلامية» وما ورد في «رويترز» بشأن وجود علاقة بين النصرة ودولة قطر أو تلقيها دعماً من أي حكومة أو دولة، أكّد أن «الشرع لا يحرّم أن يأخذ المجاهدون الدعم من حكومة إذا ما توافقت المصالح وليس فيه إملاءات من قِبَل تلك الحكومات على المجاهدين». وانطلق في ذلك من كلمة للشيخ أسامة بن لادن حين قال: «إن مصلحة الدولة المسلمة مقدمة على مصلحة الجماعة».
المصدر:سوريا الأخبار