بحسب وكالة درج، تدرّج الخطاب تجاه اللاجئ عموماً والسوري خصوصاً في تركيا ليصبح سوريالياً، إذ بدأ من المستوى الأول، وهو التشويه الشخصي والهجوم المباشر عبر التغريدات، عبر وصفه بكلمات مثل “مغتصب- قاتل- قاطع رؤوس- يعمل في المخدرات- سارق”.
في 16 تموز/ يوليو 2021 خرج رئيس “حزب الشعب الجمهوري” المعارض للحكومة وثاني أكبر حزب في تركيا، كمال كليجدار أوغلو في فيديو نشر على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي حمل فيه السوريين مشكلة البطالة في تركيا، وقال إنهم عندما يستلمون السلطة سيعيدون السوريين إلى بلادهم خلال سنتين، بعد إعادة العلاقات مع النظام السوري.
تَبع هذا الفيديو، قيام كليجدار أوغلو بالتغريد 14 مرة عبر “تويتر”، حول اللاجئين السوريين، وازدادت الحملة على موقع التواصل الاجتماعي مع تخوفات من بدء تدفق اللاجئين الأفغان من الحدود الشرقية لتركيا بعد سقوط العاصمة الأفغانية كابول تحت سيطرة طالبان في 16 آب/ أغسطس الماضي.
تبع هذا التصريح، تصريح آخر لرئيس بلدية مدينة بولو التابع لـ”حزب الشعب الجمهوري”، تانجو أوزكان، تناول فيه اللاجئين قال فيه: “أوقفنا عنهم المساعدات ولكنهم لم يذهبوا، لا نعطيهم تراخيص لفتح أعمال هنا وأيضاً لا يذهبون، لذلك سنتخذ اجراءات جديدة بحق الأجانب في مدينتنا”.
عن هذه الإجراءات قال إنهم سيقومون برفع فاتورة المياه 10 أضعاف على كل أجنبي مقيم في المدينة بهدف دفعهم للخروج منها.
ترافقت هذه التصريحات مع تصريحات أخرى موجّهة ضد وجود سوريين، صادرة عن “الحزب الجيّد اليميني القومي” المعارض، والمتحالف مع”حزب الشعب الجمهوري”.
وصل الموضوع إلى ذروته عندما انتشرت مقاطع فيديو في “تويتر” وسواه من وسائل التواصل الاجتماعي في 11 آب الماضي عن قيام مجموعة من الشباب الأتراك بالهجوم على محال ومنازل وسيارات يملكها سوريون في منطقة التن داغ في العاصمة التركية انقرة، على إثر مقتل شاب تركي على يد شاب سوري بسبب اشكال شخصي وقع بينهما.
ونفت مديرية أمن أنقرة حدوث أي إحراق لمنازل وسيارات اللاجئين السوريين، وقالت إنها اطلقت حملة أمنية للقبض على مروجي الشائعات الهادفة للتحريض على الفتنة.
عشر سنوات من الحرب… واللجوء
يحصل هذا التصاعد في نبرة الكراهية في تركيا التي تستقبل منذ بداية النزاع في سوريا قبل عشر سنوات نحو 3 ملايين و688 ألفاً و93 سورياً في كل المحافظات التركية، وتشكل نسبة السوريين للأتراك في تركيا 4.39 في المئة.
ويتركز معظمهم في اسطنبول (527 ألفاً و982 لاجئاً) وغازي عنتاب (452 ألفاً و985 لاجئاً) وهاتاي (435 ألفاً و881 لاجئاً). ولا يقطن في المخيمات سوى 55 ألفاً و74 لاجئاً.
وكان “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، ذكر الدوافع التي أدت إلى تصاعد خطاب الكراهية من قبل الأتراك تجاه اللاجئين السوريين بسبب الوضع الاقتصادي والاختلافات الثقافية الاجتماعية والمنافسة على سوق العمل.
التجاذبات السياسية بين الأطراف السياسية التركية لها دور في تغيير الرأي العام التركي حيال اللاجئين السوريين.
مثّل تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا وتراجع سعر صرف الليرة عاملاً محفزاً يدفع من يعارضون وجود السوريين بينهم على الأراضي التركية من السياسيين وقادة الرأي للتغريد ولإطلاق تصريحات ضد السوريين عبر تحميلهم المسؤولية، وهو ما يدفع الأتراك لتشكيل رأي عام عبر التفاعل مع المنشورات وهو ما يجعل خطاب الكراهية والرفض يتنامى شيئاً فشيئاً.
ومن هنا شكّل تناوُل شخصيات سياسية وعامة تركية مؤثرة في المجتمع التركي منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، قضية وجود اللاجئين السوريين في تركيا عاملاً دافعاً لنا كفريق من الصحافيين الاستقصائيين للانطلاق باتجاه تحليل الخطاب الموجَّه للاجئين عبر التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
وعلى مدار عام كامل، وثّقنا آلاف التغريدات وحلّلناها لتحديد الشخصيات التي تساند اللاجئين السوريين أو ترفض وجودهم على الأراضي التركية.
كان منطلقنا الأساسي إيجاد إجابة للأسئلة التالية: هل مستخدمو “تويتر” من السياسيين والنخب التركية مع وجود اللاجئين السوريين أم لا؟ كيف ينظرون إليهم؟ وما هي لغة الخطاب المستخدمة أو المتداوله عنهم باللغة التركية على هذه المنصة؟
يجيب هذا التحقيق المدعوم بالبيانات على هذه الأسئلة ويفصّل عبر مسارات زمنية مقرونة بأحداث كيف أن خطاب الرفض أو القبول للاجئين السوريين في تركيا أصبح ورقة بيد بعض السياسيين المنضويين في أحزاب تركية وكذلك في حديث النخبة من سياسيين واقتصاديين وفنانين. .
لا نريد السوريين
يعتبر “تويتر” المنصة الأكثر استخداماً من قبل السياسيين والنُخب التركية، وهو بمثابة ساحة للهجوم والدفاع عن اللاجئين السوريين، وتتبع الترند أو الهاشتاغات فيه أظهر لنا التجاذبات الحاصلة حول مسألة اللاجئين السوريين، فمن جهة نرى هاشتاغات ضد اللاجئين قد أصبحت على شكل حملات، مثل:
#suriyelileristemiyoruz (لا نريد السوريين)
#suriyelilersuriyeye (ليذهب السوريون إلى سوريا)
#ülkemedekisuriyeliistemiyorum (لا أريد السوريين في بلدي)
#SuriyelilerDefoluyor (ليطرد السوريون)
ومن جهة أخرى، نرى هاشتاغات تدافع عن السوريين مثل:
#kardeşimedokunma (لا تلمس أخي)
#suriyelileryalnızdeğildir (السوريون ليسوا وحيدين).
خلال العمل على هذا التحقيق، درس فريق من الصحافيين الاستقصائيين خلال الفترة الممتدة من 2011 لغاية كتابة التحقيق، مراحل تطور الخطاب لدى 86 شخصية عامة تركية، وفقاً لحضورهم ونشاطهم على “تويتر” وتأثيرهم في الشارع التركي المنقسم إزاء الوجود السوري، تتضمن 48 سياسياً، ضمن حزب ومستقل، من جميع الأحزاب والتوجهات والأديان والطوائف، و7 من الشخصيات العامة وأساتذة الجامعات، و21 إعلامياً وفناناً، و10 اقتصاديين أتراك.
بعد جمع تغريدات لـ86 شخصية (18 سيدة – 68 رجلاً) في الفترة بين 2011 إلى 2020 بلغ مجموعها 247596 تغريدة.
بعدها تم تحديد التغريدات الموجهة إلى السوريين عبر تجريف البيانات (Data scraping) من “تويتر”، وبلغ عدد التغريدات التي تحتوي على إحدى هذه الكلمات ذات الصلة بموضوع اللاجئين السوريين إلى 5647 تغريدة باللغة التركية.
بعد ترجمة التغريدات إلى اللغة العربية، حصلنا على 990 تغريدة كانت لها علاقة مباشرة بموضوع اللاجئين السوريين في تركيا.
بعدها قمنا بتحليلها عبر تصنيف التغريدة بأنها إمّا مع اللاجئين السوريين أو ضدهم، وقسّمناها على شكل محاور بحسب الموضوع الذي تناولته.
بالنسبة إلى الفريق الصحافي، كان الأساس في اختيار هذه الشخصيات هو تعبيرهم عن رأي سياسي أو اجتماعي موجود في المجتمع التركي، على اعتبار أن لديهم تأثير سياسي حاسم على مصير السوريين وآرائهم تولّد ردّات فعل في الشارع.
تم ذلك عبر خوارزمية تم تصميمها خصيصاً لهذا التحقيق، ومن خلالها تم سحب جميع التغريدات من “تويتر” والتي تحتوي على إحدى هذه الكلمات المفتاحية: لاجئ- سوري- سوريا- نازح- مهاجر- أنصار- أجنبي- عربي.
كانت هذه الكلمات المفتاحية بحسب متابعتنا الأكثر استخداماً عند ذكر موضوع اللاجئين السوريين.
يمكن أن نرى سياسياً أو شخصية عامة لا تحظى تغريدتها بتفاعل كبير على “تويتر”، لكن لها وزن سياسي يجعلها مصدراً لخطاب الكراهية، وتكوّن بشكل أو آخر قصة من هذه الزاوية عن اللاجئ السوري، وبعدها ستتحول التغريدة إلى “ترند” وحملة من قبل المغردين أو حتى الجيوش الالكترونية، لينتشر في “تويتر” ويعمم بعد ذلك على الشارع الواقعي في تركيا.
كيف بدأت الحكاية؟
بدأ توافد اللاجئين السوريين عام 2011، حين دخل تركيا 14 ألفاً و237 لاجئاً سورياً مع بداية الثورة السورية، ولم يزدد العدد بشكل كبير عام 2012 بينما حدثت قفزة في الأرقام ابتداءاً من عام 2013 حيث وصل مع نهاية العام إلى مليون و519 ألفاً و286 لاجئاً.
واستمرت الارقام في التزايد بشكل كبير إلى نهاية 2016، حين وصل العدد وصل إلى 3 ملايين و426 ألفاً و796 لاجئاً، وفي السنوات الأربع الأخيرة لم تطرأ زيادة كبيرة في الأرقام.وفق وزارة الداخلية فإن عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى سوريا نهاية عام 2019، بلغ 419 ألفاً و40 لاجئاً، وعدد الحاصلين على الجنسية التركية لغاية 9 أيلول 2019 بلغ 110 آلاف لاجئ (53 ألف بالغ و57 ألف طفل).
يشكل الأطفال والنساء معظم اللاجئين السوريين في تركيا بنسبة تتجاوز 70 في المئة.
النساء مع اللاجئين
أظهرت النتائج أنّ 506 تغريدات، أي ما نسبته 51.11 في المئة من مجمل التغريدات كانت داعمة للاجئيين، و484 تغريدة أي ما نسبته 48.89 في المئة كانت ضد اللاجئين.
إذا ما قسّمنا التغريدات بحسب الجنس فنجد أنه من مجمل 506 تغريدات مؤيدة للاجئين السوريين، 254 تغريدة من التغريدات المؤيدة للاجئين، كتبتها نساء، أي ما يساوي 50.19 في المئة من مجمل التغريدات، على رغم أن نسبة النساء بين العدد الكلي الذي أجري عليه البحث هي 20.9 في المئة فقط.
و252 تغريدة من التغريدات المؤيدة للاجئين، كتبها أو نشرها رجال، أي ما يساوي 49.80 في المئة.
بينما إذا نظرنا إلى التغريدات الـ484 المعارضة للاجئين السوريين، كانت حصة الرجال منها 443 تغريدة، أي ما يساوي 91.5 في المئة، بينما كانت حصة النساء 41 تغريدة وحسب، أي ما يساوي 8.47 في المئة من مجمل التغريدات المعارضة للاجئين.
أكثر من غرد بشكل سلبي عن موضوع اللاجئين السوريين هم من السياسيين الرجال، بينما أكثر الشخصيات التي غردت بشكل ايجابي عن اللاجئين، كانت من الإعلاميات.
هجوم مباشر
بحسب التغريدات التي تم استخراجها، تدرّج الخطاب تجاه اللاجئ عموماً والسوري خصوصاً في تركيا ليصبح سوريالياً، إذ بدأ من المستوى الأول، وهو التشويه الشخصي والهجوم المباشر عبر التغريدات، عبر وصفه بكلمات مثل “مغتصب- قاتل- قاطع رؤوس- يعمل في المخدرات- سارق”، وقد ذُكرت هذه التهم 79 مرة في التغريدات.
بحسب التغريدات، غرّد النائب السابق عن “حزب الحركة القومية” سنان أوغان 266 مرة بين عامي 2017 و2020، أي ما يساوي 55 في المئة من التغريدات التي حصلنا عليها في إطار عدم قبول اللاجئين.
الشعب التركي ينتفض ضد الثيران السوريين الذين تدافع عنهم. يجب أن تستمع للشعب.
وفقاً لما جاء في تقرير إحدى المنظمات غير الحكومية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فقد رحَّلت تركيا ما يربو على 16 ألف سوري إلى سوريا خلال 2020. وأفادت مجموعة من السوريين في أيار/ مايو بأنهم أعيدوا قسراً إلى سوريا وتعرّضوا للضغط من أجل التوقيع على وثائق تفيد برغبتهم في العودة.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع