يتجه النظام السوري إلى تصليب عود مجلس الشعب (البرلمان) المقبل، الذي سيشهد انتخابات عمّا قريب، ولذلك، على ما يبدو، أوعز لبعض فنّانيه الخلّص لترشيح أنفسهم. ولا غرابة في ذلك بالطبع، فقد أثبت فنانو النظام أنهم صقور وقت الحرب، وأنهم جديرون بوزارة دفاع لا ثقافة، أو نقابة فنانين، أو برلمان وحسب.
لا يغيب عن البال أن مخرجاً مثل نجدت أنزور تجرّأ على ما لا يقدر العسكر على قوله، حين طالب بقصف مناطق المعارضة بالبراميل، حتى لو احتوت على مدنيين، فهؤلاء، بحسبه، ليسوا سوى حواضن للإرهاب. لقد تجرأ الرجل إذاً على أن يكون على يمين رئيسه، الذي رفض الاعتراف، في مقابلة صحافية، بأن قواته استخدمت البراميل في قصف أحياء المدنيين.
إذاً فإن أنزور على رأس قائمة مرشحي البرلمان من الفنانين، وله رصيد كبير في خدمة النظام، وفي خدمة أنظمة أخرى من قبل. أعماله الفنية كانت دائماً تنهل من ملفات الاستخبارات، سعودية كانت، أم سورية، أو ليبية، خصوصاً تلك التي تناولت الإرهاب والتفجيرات، فأنزور تمكّن، من بين كل مخرجي الكرة الأرضية، أن يحصل على السماح بزيارة كتاب السيناريو الذين يعملون لمصلحته بزيارة أقبية المخابرات، والحديث وجهاً لوجه مع سجناء متطرفين، للاستفادة من رواياتهم وتحويلها إلى حكايات متلفزة.
«حربجية» أنزور لا تحتاج إلى تحرٍ، علاقته مع النظام لا تخفى، ومقابلاته كذلك، إلى جانب أعماله، التي يجب أن توضع في إطار الدعاية الحربية، وتلحق بـ «إدارة التوجيه المعنوي والسياسي».
نقيب الفنانين
نقيب الفنانين زهير رمضان، لا يستطيع الخروج من دوره كمساعد في الجيش، في فيلم المخرج عبداللطيف عبدالحميد «رسائل شفهية». إن كبر دوره قليلاً سيكون مختاراً هزلياً لضيعة هزلية هي «ضيعة ضايعة»، أكثر قليلاً سيكون نقيباً للفنانين، ومن ثم نائباً في برلمان نظام البراميل، وهو قد جرّب حظه من قبل في إلقاء براميل على زملائه من الفنانين، معارضين وموالين، إذ راح يشطب ويصدر قوائم بفصل الفنانين كلما أتاح له الوقت، كأنما ينتقم لكل تاريخ التهميش والاستعلاء عليه كممثل بلا موهبة، احتاج دائماً ليد المخابرات الممدودة، كي تساعده في الحصول على دور في التلفزيون، أو في السياسة.
للفنانين سيوف
مرة سئل الفنان أيمن رضا، الكوميديان السوري الموهوب، لماذا عدم مشاركته في أحد مسلسلات نجدت أنزور، وكان مسلسلاً فانتازياً حربياً يمتلئ بالسيوف والرماح والخيل وجثث القتلى، فأجاب «ليس لديّ سيف لأشارك». أما عارف الطويل، الممثل المرشح عن ريف دمشق إلى مجلس الشعب، فيبدو أن لديه مخزنَ سيوف بحاله، كيف لا، وهو يرى في نفسه أحسن مدرب في مبارزة السيوف، وأن على يديه تتلمذ أشهر محاربي المسلسلات التلفزيونية، هؤلاء الذين كانوا على الدوام ذخراً لمسلسلات أنزور الفانتازية.
لكن وقفة عارف الطويل إلى جانب النظام السوري، محارباً ومجادلاً ومنافحاً عنيداً، تشي بأنه ينام على مخازن للذخيرة والعتاد، ويبدو أن هذا ما يحتاجه النظام كي يصلب عوده.
عارف الطويل سيفوز غداً، سيصل إلى النيابة. ومن دون أن يكون مضطراً لإعلان أجندة سنعرف جميعاً ما أجندته، إذ ماذا يفعل برلمان للنظام السوري في وقت الحرب، برلمان يُنتخب بقوة السيوف، والبراميل، غير أن يصفق، ويطالب بمزيد من قصف ما تبقى من السوريين الأعداء؟
المكان الأثير
أما الممثل توفيق اسكندر، وهو الركن الأخير في رباعية الفنانين المرشحين لمجلس الشعب، فهو يعلن أن لا حاجة لأجندة للدخول إلى مجلس الشعب. يقول «لا أبحث عن الشهره لأنها لا تنقصني»، مع العلم أن لا أحد يعرف من هو اسكندر غير أبناء حارته، ويعلن أن ما يدفعه ليس سوى «الرغبة في تثبيت أسس النصر، الذي يخطه جيشنا الباسل بقيادة المفدى الرئيس بشار الأسد». وحين يسرد على صفحته على «الفيسبوك» سيرته الذاتية، ويقول كيف درس ومثّل وعمل في نقابة الفنانين، يؤكد أنه حينما بدأت الحرب «ابتعد عن عمله ووسطه الفني وأصبح جندياً مع حماة الديار»، وهذا بالطبع ليس فيه أي نوع من المجاز. فصوره بالسلاح والبدلة العسكرية تملأ صفحته، كما تملأ صفحات موالي النظام.
انسحب اسكندر إذاً من موقعه كممثل مغمور، لا يلتفت إليه أحد، إلى مكانه الأثير كمقاتل في ميليشيا تدافع عن النظام، يبدو لي أنه لم يكن يوماً سوى ذلك، طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية، أو ممثلاً في أروقة التلفزيون، أو إدارياً في «نقابة الفنانين».
جائزة ترضية في جنيف
أما إذا حدث وتضاربت رغبات فروع الأمن في ترجيح كفّة أحد المرشحين للبرلمان على حساب أحد الفنانين، كما حدث مع المخرجة سهير سرميني في دورة انتخابية سابقة، فليس هناك ما يقلق، يمكن حينها أن يعطى الخاسر، تماماً كما سرميني، مقعد أمين عام مساعد لحزب من أحزاب «معارضة الداخل»، مثل «حزب الشباب السوري»، الذي مثلتْه سرميني في مفاوضات جنيف الأخيرة، وأطلّت عبر الشاشات لتقول إنها تمثل معارضة دمشق، في أوضح عملية تضليل للمجتمع الدولي، الذي يتصنّع الغفلة، أو أنه يتواطأ إلى هذا الحد مع حيل النظام.
الفنانون أدوار إذاً، منهم من هو على الجبهة مباشرة، ومنهم من هو في «إدارة التوجيه المعنوي»، ومنهم من يحارب تحت قبة البرلمان.
راشد عيسى
القدس العربي